(دَفَعَ أَرْضًا بَيْضَاءَ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِيَغْرِسَ وَتَكُونُ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا) (لَا تَصِحُّ) لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ
ــ
[رد المحتار]
قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: دَفَعَ إلَيْهِ نَخْلًا فِيهِ طَلْعٌ مُعَامَلَةً بِالنِّصْفِ جَازَ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَهُ وَقَدْ صَارَ بُسْرًا أَخْضَرَ أَوْ أَحْمَرَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَتَنَاهَ عِظَمُهُ، فَإِنْ دَفَعَهُ وَقَدْ انْتَهَى عِظَمُهُ وَلَا يَزِيدُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْطُبْ فَسَدَ، فَإِنْ أَقَامَ عَلَيْهِ وَحَفِظَهُ حَتَّى صَارَ ثَمَرًا فَهُوَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَكَذَلِكَ الْعِنَبُ وَجَمِيعُ الْفَاكِهَةِ فِي الْأَشْجَارِ، وَكَذَلِكَ الزَّرْعُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الِاسْتِحْصَادَ، وَإِذَا اُسْتُحْصِدَ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهُ لِمَنْ يَقُومُ عَلَيْهِ بِبَعْضِهِ، وَالْجَوَابُ فِيهِ كَالْأَوَّلِ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ بَيْضَاءَ) أَيْ لَا نَبَاتَ فِيهَا (قَوْلُهُ مُدَّةً مَعْلُومَةً) وَبِدُونِهَا بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَتَكُونُ الْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا) قَيَّدَ بِهِ إذْ لَوْ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّجَرُ بَيْنَهُمَا فَقَطْ صَحَّ.
مُطْلَبٌ يُشْتَرَطُ فِي الْمُنَاصَبَةِ بَيَانُ الْمُدَّةِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: دَفَعَ إلَيْهِ أَرْضًا مُدَّةً مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا غِرَاسًا عَلَى أَنَّ مَا تَحَصَّلَ مِنْ الْأَغْرَاسِ وَالثِّمَارِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا جَازَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَتَصْرِيحُهُمْ بِضَرْبِ الْمُدَّةِ صَرِيحٌ فِي فَسَادِهَا بِعَدَمِهِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِإِدْرَاكِهَا مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ، كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ دَفَعَ غِرَاسًا لَمْ تَبْلُغْ الثَّمَرَةَ عَلَى أَنْ يُصْلِحَهَا خَيْرِيَّةٌ مِنْ الْوَقْفِ وَالْمُسَاقَاةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْحَامِدِيَّةِ وَالْمُرَادِيَةِ وَهَكَذَا حَقَّقَهُ الرَّمْلِيُّ فِي الْحَاشِيَةِ، وَهَذِهِ تُسَمَّى مُنَاصَبَةً وَيَفْعَلُونَهَا فِي زَمَانِنَا بِلَا بَيَانِ مُدَّةٍ، وَقَدْ عَلِمْت فَسَادَهَا. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَإِذَا فَسَدَتْ لِعَدَمِ الْمُدَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الثَّمَرُ وَالْغَرْسُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلِلْآخَرِ قِيمَةُ الْغَرْسِ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ فَسَدَتْ بِاشْتِرَاطِ بَعْضِ الْأَرْضِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الْعِلَّةِ وَهِيَ وَاقِعَةُ الْفَتْوَى اهـ.
أَقُولُ: وَفِي الذَّخِيرَةِ: وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ يُخَيَّرُ رَبُّ الْأَرْضِ، إنْ شَاءَ غَرِمَ نِصْفَ قِيمَةِ الشَّجَرَةِ وَيَمْلِكُهَا، وَإِنْ شَاءَ قَلَعَهَا اهـ. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيهَا فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ فَرَاجِعْهَا.
هَذَا، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالذَّخِيرَةِ: دَفَعَ إلَى ابْنٍ لَهُ أَرْضًا لِيَغْرِسَ فِيهَا أَغْرَاسًا عَلَى أَنَّ الْخَارِجَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَلَمْ يُؤَقِّتْ لَهُ وَقْتًا فَغَرَسَ فِيهَا ثُمَّ مَاتَ الدَّافِعُ عَنْهُ وَعَنْ وَرَثَةِ سِوَاهُ فَأَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُكَلِّفُوهُ قَلَعَ الْأَشْجَارَ كُلَّهَا لِيَقْسِمُوا الْأَرْضَ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ قُسِمَتْ، وَمَا وَقَعَ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ كُلِّفَ قَلْعَهُ وَتَسْوِيَةَ الْأَرْضِ مَا لَمْ يَصْطَلِحُوا، وَإِنْ لَمْ تَحْتَمِلْ يُؤْمَرُ الْغَارِسُ بِقَلْعِ الْكُلِّ مَا لَمْ يَصْطَلِحُوا اهـ، فَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمُنَاصَبَةَ تَفْسُدُ بِلَا بَيَانِ الْمُدَّةِ كَمَا فَهِمَهُ الرَّمْلِيُّ مِنْ تَقْيِيدِهِمْ بِالْمُدَّةِ، إذْ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَ الْغِرَاسُ مُنَاصَفَةً كَمَا شَرَطَا، لَكِنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ حَيْثُ فَسَدَتْ فَالْغِرَاسُ لِلْغَارِسِ لَا لِلدَّافِعِ وَهُوَ خِلَافُ مَا بَحَثَهُ الرَّمْلِيُّ فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَيُمْكِنُ ادِّعَاءُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا فَسَدَتْ بِاشْتِرَاطِ نِصْفِ الْأَرْضِ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِمَّا عَلَّلُوا بِهِ الْفَسَادَ فَإِنَّهُمْ عَلَّلُوا لَهُ بِثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: مِنْهَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ جَعَلَ نِصْفَ الْأَرْضِ عِوَضًا عَنْ جَمِيعِ الْغِرَاسِ وَنِصْفَ الْخَارِجِ عِوَضًا لِعَمَلِهِ فَصَارَ الْعَامِلُ مُشْتَرِيًا نِصْفَ الْأَرْضِ بِالْغِرَاسِ الْمَجْهُولِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ، فَإِذَا زَرَعَهُ فِي الْأَرْضِ بِأَمْرِ صَاحِبِهَا فَكَأَنَّ صَاحِبَهَا فَعَلَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَيَصِيرُ قَابِضًا وَمُسْتَهْلِكًا بِالْعُلُوقِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَأَجْرُ الْمِثْلِ اهـ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى اسْتِئْجَارِ الْأَرْضِ بِنِصْفِ الْخَارِجِ: وَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ لِعَدَمِ الْمُدَّةِ يَبْقَى الْغِرَاسُ لِلْغَارِسِ، وَنَظِيرُهُ مَا مَرَّ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّهَا إذَا فَسَدَتْ فَالْخَارِجُ لِرَبِّ الْبَذْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْغَرْسَ كَالْبَذْرِ، وَيَنْبَغِي لُزُومُ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ إلَخْ) هَذَا ثَانِي الْأَوْجُهِ الَّتِي عَلَّلُوا بِهَا الْفَسَادَ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الْهِدَايَةِ، وَقَالَ إنَّهُ أَصَحُّهَا. قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: لِأَنَّهُ نَظِيرُ مَنْ اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا لِيَصْبُغَ ثَوْبَهُ بِصَبْغِ نَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الْمَصْبُوغِ لِلصَّبَّاغِ فَإِنَّ الْغِرَاسَ آلَةٌ تُجْعَلُ الْأَرْضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute