بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا لَوْ مَضَتْ أَيَّامُهَا (عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ) بِمِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ بَادِيَةٍ عَيْنِيٌّ، فَلَا تَجِبُ عَلَى حَاجٍّ مُسَافِرٍ؛ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَتَلْزَمُهُمْ وَإِنْ حَجُّوا، وَقِيلَ لَا تَلْزَمُ الْمُحْرِمَ سِرَاجٌ (مُوسِرٌ) يَسَارَ الْفِطْرَةِ (عَنْ نَفْسِهِ لَا عَنْ طِفْلِهِ) عَلَى الظَّاهِرِ، بِخِلَافِ الْفِطْرَةِ (شَاةٌ) بِالرَّفْعِ بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ تَجِبُ أَوْ فَاعِلِهِ (أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ) هِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ؛ سُمِّيَتْ بِهِ لِضَخَامَتِهَا، وَلَوْ لِأَحَدِهِمْ أَقَلُّ مِنْ سُبْعٍ
ــ
[رد المحتار]
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ إذَا افْتَقَرَ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَانَتْ الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ حَاصِلَةً فِيهَا فَلِذَا لَمْ تَسْقُطْ بَعْدُ.
وَاعْتَرَضَهُ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ أَيْضًا بِأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَتَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ لَيْسَ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ وَإِلَّا لَمْ تَسْقُطْ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ شَاةً فِي يَوْمِ النَّحْرِ، وَبِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ كَالزَّكَاةِ تَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهَا هُوَ الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ اهـ. أَقُولُ: قَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَهَا وَقْتٌ مُقَدَّرٌ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْعِبْرَةُ لِلْوُجُوبِ فِي آخِرِهِ كَمَا يَأْتِي، فَمَنْ كَانَ غَنِيًّا آخِرَهُ تَلْزَمُهُ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا آخِرَهُ لَا تَلْزَمُهُ وَلَوْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ، فَمَنْ اشْتَرَاهَا غَنِيًّا ثُمَّ افْتَقَرَ بَعْدَ أَيَّامِهَا كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ مُتَمَكِّنًا بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ حَتَّى لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لَا بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ وَإِلَّا لَاشْتَرَطَ دَوَامَهَا بِأَنْ تَسْقُطَ عَنْهُ إذَا افْتَقَرَ، وَالْوَاقِعُ خِلَافُهُ؛ وَمَعْنَى قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَتَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَوَاتُ أَدَائِهَا بِدَلِيلِ أَنَّ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِعَيْنِهَا كَمَا يَأْتِي فِي بَيَانِهِ، وَسُقُوطُهَا بِهَلَاكِ الْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِهَا لَا يُفِيدُ أَنَّ الْقُدْرَةَ مُيَسَّرَةٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِآخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ تُوجَدْ الْقُدْرَةُ فِيهِ أَصْلًا، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ إذْ لَيْسَ لَهُمَا وَقْتٌ يَفُوتُ الْأَدَاءُ بِفَوْتِهِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ زَكَاةٌ وَكَذَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ، بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةَ فَإِنَّ الْوَاقِعَ بَعْدَ وَقْتِهَا خَلَفٌ عَنْهَا، فَحَيْثُ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ بِالْهَلَاكِ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَلَمْ تَسْقُطْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عُلِمَ أَنَّ الْأُولَى وَجَبَتْ بِقُدْرَةٍ مُيَسَّرَةٍ وَالثَّانِيَةَ بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ، وَهَلَاكُ الْمَالِ فِي الْأُضْحِيَّةَ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَذَلِكَ فِي آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ، لِأَنَّ وَقْتَهَا مُقَدَّرٌ كَمَا عَلِمْت؛ فَحَيْثُ هَلَكَ الْمَالُ بَعْدَ أَيَّامِهَا وَأَلْزَمْنَاهُ بِالتَّصَدُّقِ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا عَلِمْنَا أَنَّهَا لَمْ تَسْقُطْ بِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَكَانَ وُجُوبُهَا بِقُدْرَةٍ مُمْكِنَةٍ.
وَأَمَّا إذَا هَلَكَ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِهَا كَانَ الْهَلَاكُ قَبْلَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَتَدَبَّرْ هَذَا التَّحْقِيقَ فَهُوَ بِالْقَبُولِ حَقِيقٌ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ بِعَيْنِهَا) أَيْ لَوْ نَذَرَهَا أَوْ كَانَ فَقِيرًا شَرَاهَا لَهَا، وَقَوْلُهُ أَوْ بِقِيمَتِهَا أَيْ لَوْ كَانَ غَنِيًّا وَلَمْ يَنْذِرْهَا كَمَا يَأْتِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَتَلْزَمُهُمْ وَإِنْ حَجُّوا) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ مُقِيمُونَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا تَلْزَمُ الْمُحْرِمَ) وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ جَوْهَرَةٌ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ، وَحَمَلَهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَلَى الْمُسَافِرِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ لَا عَنْ طِفْلِهِ) أَيْ مِنْ مَالِ الْأَبِ ط (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ، بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَجِبُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْ وَلَدِهِ وَوَلَدِ وَلَدِهِ الَّذِي لَا أَب لَهُ، وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ وَلَوْ ضَحَّى عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَزَوْجَتِهِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِمْ. وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْسَانًا بِلَا إذْنِهِمْ بَزَّازِيَّةٌ. قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْعَادَةَ إذَا جَرَتْ مِنْ الْأَبِ فِي كُلِّ سَنَةٍ صَارَ كَالْإِذْنِ مِنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَمَا اسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ مُسْتَحْسَنٌ (قَوْلُهُ شَاةٌ) أَيْ ذَبَحَهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْإِرَاقَةُ (قَوْلُهُ بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ تَجِبُ أَوْ فَاعِلُهُ) كَذَا فِي الْمِنَحِ وَهَذَا بِالنَّظَرِ إلَى مُجَرَّدِ الْمَتْنِ، وَإِلَّا فَالشَّارِحُ ذَكَرَ فَاعِلَ تَجِبُ فِيمَا مَرَّ وَهُوَ التَّضْحِيَةُ تَبَعًا لِلْمِنَحِ أَيْضًا، فَبِالنَّظَرِ إلَى الشَّرْحِ تَكُونُ شَاةٌ بَدَلًا مِنْ التَّضْحِيَةِ أَوْ خَبَرًا لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ مَعَ تَقْدِيرِ مُضَافٍ: أَيْ الْوَاجِبُ ذَبْحُ شَاةٍ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لِضَخَامَتِهَا) أَيْ عِظَمِ بَدَنِهَا (قَوْلُهُ وَلَوْ لِأَحَدِهِمْ) أَيْ أَحَدِ السَّبْعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute