بِالتَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ (وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ جَازَ) بِلَا كَرَاهَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ وَفِي الْحَقَائِقِ لَوْ الْقُبْلَةُ عَلَى وَجْهِ الْمَبَرَّةِ دُونَ الشَّهْوَةِ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ (كَالْمُصَافَحَةِ) أَيْ كَمَا تَجُوزُ الْمُصَافَحَةُ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ صَافَحَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ وَحَرَّكَ يَدَهُ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ» وَإِطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ وَالْكَنْزِ وَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْمَجْمَعِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِ يُفِيدُ جَوَازَهَا مُطْلَقًا وَلَوْ بَعْدَ الْعَصْرِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ بِدْعَةٌ أَيْ مُبَاحَةٌ حَسَنَةٌ كَمَا أَفَادَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ وَغَيْرُهُ فِي غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ مِنْ أَنَّهَا بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ لَيْسَ بِشَيْءٍ تَوْفِيقًا فَتَأَمَّلْهُ. وَفِي الْقُنْيَةِ: السُّنَّةُ فِي الْمُصَافَحَةِ بِكِلْتَا يَدَيْهِ وَتَمَامُهُ فِيمَا عَلَّقْته عَلَى الْمُلْتَقَى.
ــ
[رد المحتار]
وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ، قَالُوا الْخِلَافُ فِي الْمُعَانَقَةِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ أَوَجُبَّةٌ لَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
وَفِي الْعِنَايَةِ: وَوَفَّقَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ: الْمَكْرُوهُ مِنْ الْمُعَانَقَةِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: فِي إزَارٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ سَبَبٌ يُفْضِي إلَيْهَا فَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَمِيصٌ وَاحِدٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ لَوْ عَنْ شَهْوَةٍ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ أَيْ سَاتِرٍ لِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مَعَ كَشْفِ الْبَاقِي، وَأَنَّ مَا قَبْلَهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْهَدِيَّةِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ (قَوْلُهُ وَفِي الْحَقَائِقِ إلَخْ) يُغْنِي عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ الْخَانِيَّةِ ط (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَخْ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي شَرْحِهَا لِلْعَيْنِيِّ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ.
(قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَذْكَارِهِ) حَيْثُ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَافَحَةَ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ كُلِّ لِقَاءٍ، وَأَمَّا مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ، فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّ أَصْلَ الْمُصَافَحَةِ سُنَّةٌ وَكَوْنُهُمْ حَافَظُوا عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَفَرَّطُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ أَوْ أَكْثَرِهَا لَا يُخْرِجُ ذَلِكَ الْبَعْضَ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ الْمُصَافَحَةِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِأَصْلِهَا اهـ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْبِكْرِيُّ: وَتَقْيِيدُهُ بِمَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ عَلَى عَادَةٍ كَانَتْ فِي زَمَنِهِ، وَإِلَّا فَعَقِبَ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا كَذَلِكَ كَذَا فِي رِسَالَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي الْمُصَافَحَةِ، وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ الشَّمْسِ الْحَانُوتِيِّ، وَأَنَّهُ أَفْتَى بِهِ مُسْتَدِلًّا بِعُمُومِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ إطْلَاقِ الْمُتُونِ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَيْهَا بَعْدَ الصَّلَوَاتِ خَاصَّةً قَدْ يُؤَدِّي الْجَهَلَةِ إلَى اعْتِقَادِ سُنِّيَّتِهَا فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَأَنَّ لَهَا خُصُوصِيَّةً زَائِدَةً عَلَى غَيْرِهَا مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَكَذَا قَالُوا بِسُنِّيَّةِ قِرَاءَةِ السُّوَرِ الثَّلَاثَةِ فِي الْوَتْرِ مَعَ التَّرْكِ أَحْيَانَا لِئَلَّا يُعْتَقَدَ وُجُوبُهَا وَنَقَلَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ عَنْ الْمُلْتَقَطِ أَنَّهُ تُكْرَهُ الْمُصَافَحَةُ بَعْدَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ بِكُلِّ حَالٍ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - مَا صَافَحُوا بَعْدَ أَدَاءِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الرَّوَافِضِ اهـ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ حَجَرٍ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا فِي الشَّرْعِ، وَأَنَّهُ يُنَبَّهُ فَاعِلُهَا أَوَّلًا وَيُعَزَّرُ ثَانِيًا ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَدْخَلِ إنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ، وَمَوْضِعُ الْمُصَافَحَةِ فِي الشَّرْعِ، إنَّمَا هُوَ عِنْدَ لِقَاءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ لَا فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ فَحَيْثُ وَضَعَهَا الشَّرْعُ يَضَعُهَا فَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ وَيُزْجَرُ فَاعِلُهُ لِمَا أَتَى بِهِ مِنْ خِلَافِ السُّنَّةِ اهـ.
ثُمَّ أَطَالَ فِي ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ فِي غَيْرِهِ) الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلنَّوَوِيِّ وَالثَّانِي لِكِتَابِ الْأَذْكَارِ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِهِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ مَلَكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فَافْهَمْ. أَقُولُ: وَهَذَا الْحَمْلُ بَعِيدًا جِدًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى اخْتِلَافِ رَأْيِ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ فِي كِتَابَيْهِ، وَأَنَّهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ نَظَرَ إلَى مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَحْظُورِ، وَإِلَى أَنَّ ذَلِكَ بِخُصُوصِهِ غَيْرُ مَأْثُورٍ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُلْتَقَطِ مِنْ أَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الرَّوَافِضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ إلَخْ) وَنَصُّهُ: وَهِيَ إلْصَاقُ صَفْحَةِ الْكَفِّ بِالْكَفِّ وَإِقْبَالُ الْوَجْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute