للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الْمُلْتَقَطِ التَّوَاضُعُ لِغَيْرِ اللَّهِ حَرَامٌ. وَفِي الْوَهْبَانِيَّةِ: يَجُوزُ بَلْ يَنْدُبُ الْقِيَامُ تَعْظِيمًا لِلْقَادِمِ كَمَا يَجُوزُ الْقِيَامُ، وَلَوْ لِلْقَارِئِ بَيْنَ يَدَيْ الْعَالِمِ وَسَيَجِيءُ نَظْمًا. [فَائِدَةٌ] قِيلَ التَّقْبِيلُ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: قُبْلَةُ الْمَوَدَّةِ لِلْوَلَدِ عَلَى الْخَدِّ، وَقُبْلَةُ الرَّحْمَةِ لِوَالِدَيْهِ عَلَى الرَّأْسِ، وَقُبْلَةُ الشَّفَقَةِ لِأَخِيهِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَقُبْلَةُ الشَّهْوَةِ لِامْرَأَتِهِ وَأَمَتِهِ عَلَى الْفَمِ وَقُبْلَةُ التَّحِيَّةِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْيَدِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ، قُبْلَةُ الدِّيَانَةِ لِلْحَجَرِ الْأَسْوَدِ جَوْهَرَةٌ. قُلْت: وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ تَقْبِيلُ عَتَبَةَ الْكَعْبَةِ، وَفِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَقَابِرِ تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ قِيلَ بِدْعَةٌ لَكِنْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْمُصْحَفَ كُلَّ غَدَاةٍ وَيُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ: عَهْدُ رَبِّي وَمَنْشُورُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ وَكَانَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُقَبِّلُ الْمُصْحَفَ وَيَمْسَحُهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَمَّا تَقْبِيلُ الْخُبْزِ فَحَرَّرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ مُبَاحَةٌ وَقِيلَ حَسَنَةٌ وَقَالُوا يُكْرَهُ دَوْسُهُ لَا بَوْسُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ حَجَرٍ فِي بَحْثِ الْوَلِيمَةِ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ وَجَاءَ «لَا تَقْطَعُوا الْخُبْزَ بِالسِّكِّينِ وَأَكْرِمُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ» .

ــ

[رد المحتار]

وَقِيلَ: بَلْ لِآدَمَ عَلَى وَجْهِ التَّحِيَّةِ وَالْإِكْرَامِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَوْ أَمَرْت أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْت الْمِرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» تَتَارْخَانِيَّةٌ قَالَ فِي تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ، وَالصَّحِيحُ الثَّانِي وَلَمْ يَكُنْ عِبَادَةً لَهُ بَلْ تَحِيَّةً وَإِكْرَامًا، وَلِذَا امْتَنَعَ عَنْهُ إبْلِيسُ وَكَانَ جَائِزًا فِيمَا مَضَى كَمَا فِي يُوسُفَ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ: وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ (قَوْلُهُ التَّوَاضُعُ لِغَيْرِ اللَّهِ حَرَامٌ) أَيْ إذْلَالُ النَّفْسِ لِنَيْلِ الدُّنْيَا، وَإِلَّا فَخَفْضُ الْجَنَاحِ لِمَنْ دُونَهُ مَأْمُورٌ بِهِ سَيِّدُ الْأَنَامِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - " مَنْ خَضَعَ لِغَنِيٍّ وَوَضَعَ لَهُ نَفْسَهُ إعْظَامًا لَهُ وَطَمَعًا فِيمَا قِبَلَهُ ذَهَبَ ثُلُثَا مُرُوءَتِهِ وَشَطْرُ دِينِهِ ".

(قَوْلُهُ يَجُوزُ بَلْ يُنْدَبُ الْقِيَامُ تَعْظِيمًا لِلْقَادِمِ إلَخْ) أَيْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: قِيَامُ الْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ تَعْظِيمًا، وَقِيَامُ قَارِئِ الْقُرْآنِ لِمَنْ يَجِيءُ تَعْظِيمًا لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ، وَفِي مُشْكِلِ الْآثَارِ الْقِيَامُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِعَيْنِهِ إنَّمَا الْمَكْرُوهُ مَحَبَّةُ الْقِيَامِ لِمَنْ يُقَامُ لَهُ، فَإِنْ قَامَ لِمَنْ لَا يُقَامُ لَهُ لَا يُكْرَهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبَانَ أَقُولُ: وَفِي عَصْرِنَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ ذَلِكَ أَيْ الْقِيَامُ لِمَا يُورِثُ تَرْكُهُ مِنْ الْحِقْدِ وَالْبَغْضَاءِ وَالْعَدَاوَةِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِي مَكَان اُعْتِيدَ فِيهِ الْقِيَامُ، وَمَا وَرَدَ مِنْ التَّوَعُّدِ عَلَيْهِ فِي حَقِّ مَنْ يُحِبُّ الْقِيَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَمَا يَفْعَلُهُ التُّرْكُ وَالْأَعَاجِمُ اهـ. قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الشَّيْخِ الْحَكِيمِ أَبِي الْقَاسِمِ كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ غَنِيٌّ يَقُومُ لَهُ وَيُعَظِّمُهُ، وَلَا يَقُومُ لِلْفُقَرَاءِ وَطَلَبَةِ الْعِلْمِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ الْغَنِيُّ يَتَوَقَّعُ مِنِّي التَّعْظِيمَ، فَلَوْ تَرَكْته لَتَضَرَّرَ وَالْفُقَرَاءُ وَالطَّلَبَةُ إنَّمَا يَطْمَعُونَ فِي جَوَابِ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ مَعَهُمْ فِي الْعِلْمِ، وَتَمَامُ ذَلِكَ فِي رِسَالَةِ الشُّرُنْبُلَالِيُّ (قَوْلُهُ تَقْبِيلُ عَتَبَةِ الْكَعْبَةِ) هِيَ مِنْ قِلَّةِ الدِّيَانَةِ ط وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَاخْتُلِفَ فِي تَقْبِيلِ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ فَقِيلَ سُنَّةٌ وَقِيلَ بِدْعَةٌ (قَوْلُهُ وَمَنْشُورُ رَبِّي) قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْمَنْشُورُ: الرَّجُلُ الْمُنْتَشِرُ الْأَمْرِ وَمَا كَانَ غَيْرَ مَخْتُومٍ مِنْ كُتُبِ السُّلْطَانِ وَالْمُرَادُ كِتَابُ رَبِّي فَفِيهِ تَجْرِيدٌ عَنْ بَعْضِ الْمَعْنَى ط (قَوْلُهُ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَحِينَئِذٍ فَيُزَادُ عَلَى السِّتَّةِ سِتَّةٌ أَيْضًا بِدْعَةٌ مُبَاحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ، وَسُنَّةٌ لِعَالِمٍ وَعَادِلٍ مَكْرُوهٌ لِغَيْرِهِمَا عَلَى الْمُخْتَارِ وَحَرَامٌ لِلْأَرْضِ تَحِيَّةٌ وَكُفْرٌ لَهَا تَعْظِيمًا كَمَا مَرَّ اهـ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ وَجَاءَ إلَخْ) قَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ الْجِرَاحِيُّ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ " «لَا تَقْطَعُوا الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ كَمَا تَقْطَعُ الْأَعَاجِمُ وَلَكِنْ انْهَشُوهُ نَهْشًا» قَالَ الصَّغَانِيُّ مَوْضُوعٌ اهـ وَفِي الْمُجْتَبَى لَا يُكْرَهُ قَطْعُ الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ اهـ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>