للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بَعْدَ فَلَاحِ أَذَانِ الْفَجْرِ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ (وَيَجْعَلُ) نَدْبًا (أُصْبُعَيْهِ فِي) صِمَاخِ (أُذُنَيْهِ) فَأَذَانُهُ بِدُونِهِ حَسَنٌ، وَبِهِ أَحْسَنُ

(وَالْإِقَامَةُ كَالْأَذَانِ) فِيمَا مَرَّ (لَكِنْ هِيَ) أَيْ الْإِقَامَةُ وَكَذَا الْإِمَامَةُ (أَفْضَلُ مِنْهُ) فَتْحٌ (وَلَا يَضَعُ)

ــ

[رد المحتار]

كُوَّتِهَا الْيُمْنَى آتِيًا بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ يَذْهَبُ وَيُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْ الْكُوَّةِ الْيُسْرَى آتِيًا بِالْفَلَاحِ دُرَرٌ وَغَيْرُهَا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ بِكُوَّاتٍ، أَمَّا مَنَارَاتُ الرُّومِ وَنَحْوُهَا فَالْجَانِبُ كَالْكُوَّةِ إسْمَاعِيلُ.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ فَلَاحٍ إلَخْ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنَّ مَحَلَّهُ بَعْدَ الْأَذَانِ بِتَمَامِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ بَحْرٌ عَنْ الْمُسْتَصْفَى.

(قَوْلُهُ: الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ) إنَّمَا كَانَ النَّوْمُ مُشَارِكًا لِلصَّلَاةِ فِي أَصْلِ الْخَيْرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِبَادَةً، كَمَا إذَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى تَحْصِيلِ طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ، أَوْ لِأَنَّ النَّوْمَ رَاحَةٌ فِي الدُّنْيَا وَالصَّلَاةَ رَاحَةٌ فِي الْآخِرَةِ، فَتَكُونُ أَفْضَلَ بَحْرٌ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ) أَيْ فَخُصَّ بِزِيَادَةِ إعْلَامٍ دُونَ الْعِشَاءِ، فَإِنَّ النَّوْمَ قَبْلَهَا مَكْرُوهٌ وَنَادِرٌ ط.

(قَوْلُهُ: وَيَجْعَلُ أُصْبُعَيْهِ إلَخْ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبِلَالٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «اجْعَلْ أُصْبُعَيْك فِي أُذُنَيْك فَإِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِك» وَإِنْ جَعَلَ يَدَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَحَسَنٌ؛ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضَمَّ أَصَابِعَهُ الْأَرْبَعَةَ وَوَضَعَهَا عَلَى أُذُنَيْهِ وَكَذَا إحْدَى يَدَيْهِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ إمْدَادٌ وَقُهُسْتَانِيٌّ عَنْ التُّحْفَةِ.

(قَوْلُهُ: فَأَذَانُهُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ نَدْبًا. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْأَمْرُ أَيْ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ لِلنَّدْبِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ، فَلِذَا لَوْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ حَسَنًا.

فَإِنْ قِيلَ: تَرَكَ السُّنَّةَ فَكَيْفَ يَكُونُ حَسَنًا؟ . قُلْنَا: إنَّ الْأَذَانَ مَعَهُ أَحْسَنُ، فَإِذَا تَرَكَهُ بَقِيَ الْأَذَانُ حَسَنًا كَذَا فِي الْكَافِي اهـ فَافْهَمْ

(قَوْلُهُ: فِيمَا مَرَّ) قَيَّدَ بِهِ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ أَنَّ تَرْكَ الْإِقَامَةِ يُكْرَهُ لِلْمُسَافِرِ دُونَ الْأَذَانِ، وَأَنَّ الْمَرْأَةَ تُقِيمُ وَلَا تُؤَذِّنُ، وَأَنَّ الْأَذَانَ آكَدُ فِي السُّنِّيَّةِ مِنْهَا كَمَا يَأْتِي، وَأَرَادَ بِمَا مَرَّ أَحْكَامَ الْأَذَانِ الْعَشَرَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَتْنِ، وَهِيَ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِلْفَرَائِضِ، وَأَنَّهُ يُعَادُ إنْ قُدِّمَ عَلَى الْوَقْتِ، وَأَنَّهُ يَبْدَأُ بِأَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَعَدَمُ التَّرْجِيعِ، وَعَدَمُ اللَّحْنِ وَالتَّرَسُّلُ وَالِالْتِفَاتُ وَالِاسْتِدَارَةُ وَزِيَادَةُ " الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ " فِي أَذَانِ الْفَجْرِ، وَجَعْلُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ لَا تَكُونُ فِي الْإِقَامَةِ فَأَبْدَلَ التَّرَسُّلَ بِالْحَدْرِ وَالصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ بِقَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَضَعُ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، فَبَقِيَتْ الْأَحْكَامُ السَّبْعَةُ مُشْتَرَكَةً، وَيَرِدُ عَلَيْهِ الِاسْتِدَارَةُ فِي الْمَنَارَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ فِي الْمَنَارَةِ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ. اهـ. ح.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِقَامَةَ تُخَالِفُ الْأَذَانَ فِي الْأَرْبَعَةِ مَا مَرَّ، وَتُخَالِفُهُ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ سَتَأْتِي مُفَرَّقَةً.

(قَوْلُهُ: لَكِنْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ بِلَا ذِكْرِ خِلَافٍ. وَذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَيْضًا أَنَّهُ صَرَّحَ ظَهِيرُ الدِّينِ فِي الْحَوَاشِي نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ الْأَذَانِ: أَيْ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ فِي مَوَاضِعَ دُونَ الْإِقَامَةِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَمَا بَعْدَ أُولَى الْفَوَائِتِ وَثَانِيَةِ الصَّلَاتَيْنِ بِعَرَفَةَ، وَقَوْلُهُ وَكَذَا الْإِمَامَةُ عَلَّلَهُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ لِمُوَاظَبَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَقَوْلُ عُمَرَ: لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْت، لَا يَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلَهُ عَلَيْهَا بَلْ مُرَادُهُ لَأَذَّنْت مَعَ الْإِمَامَةِ لَا مَعَ تَرْكِهَا، فَيُفِيدُ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُ الْإِمَامِ هُوَ الْمُؤَذِّنُ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَعَلَيْهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ. اهـ.

أَقُولُ: وَهُوَ قَوْلُ أَحَدِ قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْأَذَانَ أَفْضَلُ، وَبَقِيَ قَوْلٌ بِتَسَاوِيهِمَا، وَقَدْ حَكَى الثَّلَاثَةَ فِي السِّرَاجِ. ثُمَّ إنَّ مَا اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْإِمَامَةِ عَلَى الْأَذَانِ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا أَيْضًا عَلَى الْإِقَامَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُقِيمَ الْمُؤَذِّنُ فَافْهَمْ.

[تَنْبِيهٌ] مُقْتَضَى أَفْضَلِيَّةِ الْإِقَامَةِ عَلَى الْأَذَانِ كَوْنُهَا وَاجِبَةً عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِهِ، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِهِ لِمَا أَنَّهُ مِنْ الشَّعَائِرِ بِخِلَافِهَا، عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ تَفْضُلُ الْوَاجِبَ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ كِتَابِ الطَّهَارَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>