للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لِعَيْنِهَا) أَيْ لِذَاتِهَا وَفِي قَوْله تَعَالَى: - {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: ٩٠]- الْآيَةَ عَشْرُ دَلَائِلَ عَلَى حُرْمَتِهَا مَبْسُوطَةٌ فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ (وَهِيَ نَجِسَةٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً كَالْبَوْلِ وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا وَسَقَطَ تَقَوُّمُهَا) فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ (لَا مَالِيَّتُهَا) فِي الْأَصَحِّ

(وَحَرُمَ الِانْتِفَاعُ بِهَا) وَلَوْ لِسَقْيِ دَوَابَّ أَوْ لِطِينٍ أَوْ نَظَرٍ لِلتَّلَهِّي، أَوْ دَوَاءٍ أَوْ دُهْنٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَّا لِتَخْلِيلٍ أَوْ لِخَوْفِ عَطَشٍ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ فَلَوْ زَادَ فَسَكِرَ حُدَّ مُجْتَبَى

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا» (وَيُحَدُّ شَارِبُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ مِنْهَا وَ) يُحَدُّ (شَارِبُ غَيْرِهَا إنْ سَكِرَ

ــ

[رد المحتار]

أَيْ شُرْبُ قَلِيلِهَا لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ الْآتِي مِنْ حُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ وَالتَّدَاوِي اهـ ح وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا قَالَهُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ إنَّ الْحَرَامَ هُوَ الْكَثِيرُ الْمُسْكِرُ لَا الْقَلِيلُ قُهُسْتَانِيٌّ.

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَهَذَا كُفْرٌ لِأَنَّهُ جُحُودُ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ سَمَّاهُ رِجْسًا وَالرِّجْسُ مَا هُوَ مُحَرَّمُ الْعَيْنِ وَقَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ مُتَوَاتِرَةً «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حَرَّمَ الْخَمْرَ» وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأَمَةِ، وَلِأَنَّ قَلِيلَهُ يَدْعُو إلَى كَثِيرِهِ وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّ الْخَمْرِ (قَوْلُهُ لِعَيْنِهَا إلَخْ) أَيْ لَا لِعِلَّةِ الْإِسْكَارِ فَتَحْرُمُ الْقَطْرَةُ مِنْهَا وَهَذَا عُلِمَ مِمَّا قَبْلَهُ وَإِنَّمَا أُعِيدَ لِتَأْكِيدِ الرَّدِّ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ الْبَاطِلِ (قَوْلُهُ عَشْرُ دَلَائِلَ) هِيَ نَظْمُهَا فِي سِلْكِ الْمَيْسِرِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَتَسْمِيَتُهَا رِجْسًا وَعَدُّهَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، وَالْأَمْرُ بِالِاجْتِنَابِ، وَتَعْلِيقُ الْفَلَاحِ بِاجْتِنَابِهَا وَإِرَادَةُ الشَّيْطَانِ إيقَاعَ الْعَدَاوَةِ بِهَا، وَإِيقَاعُ الْبَغْضَاءِ وَالصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَنْ الصَّلَاةِ وَالنَّهْيُ الْبَلِيغُ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْمُؤْذِنِ بِالتَّهْدِيدِ اهـ ح (قَوْلُهُ وَهِيَ نَجِسَةٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا رِجْسًا فَكَانَتْ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ الْمَسْفُوحِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهَا) لِإِنْكَارِهِ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَسَقَطَ تَقَوُّمُهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ) حَتَّى لَا يَضْمَنَهَا مُتْلِفُهَا وَغَاصِبُهَا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَجَّسَهَا فَقَدْ أَهَانَهَا، وَالتَّقَوُّمُ يُشْعِرُ بِعِزَّتِهَا وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا وَأَكْلَ ثَمَنِهَا» هِدَايَةٌ. وَعَدَمُ ضَمَانِهَا لَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ إتْلَافِهَا. وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَقِيلَ: يُبَاحُ وَقِيلَ: لَا يُبَاحُ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ بِأَنْ كَانَتْ عِنْدَ شِرِّيبٍ خِيفَ عَلَيْهِ الشُّرْبُ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ عِنْدَ صَالِحٍ فَلَا يُبَاحُ لِأَنَّهُ يُخَلِّلُهَا عِنَايَةٌ وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ مَجْدِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ الثَّانِي.

قَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي سُقُوطِ مَالِيَّتِهَا فَمَنْ قَالَ إنَّهَا مَالٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ لَا يُبَاحُ إتْلَافُهَا إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ اهـ وَهُوَ حَسَنٌ (قَوْلُهُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ) أَمَّا الذِّمِّيُّ فَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ فِي حَقِّهِ كَالْخِنْزِيرِ حَتَّى صَحَّ بَيْعُهُ لَهُمَا، وَلَوْ أَتْلَفَهُمَا لَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ مَأْمُورِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا لَهُ كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ الْغَصْبِ (قَوْلُهُ لَا مَالِيَّتِهَا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الْمَالَ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيَجْرِي فِيهِ الْبَذْلُ وَالْمَنْعُ، فَتَكُونُ مَالًا لَكِنَّهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ لِمَا قُلْنَا أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ وَلَوْ لِسَقْيِ دَوَابَّ) قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ لَوْ قَادَ الدَّابَّةَ إلَى الْخَمْرِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَلَوْ نَقَلَ إلَى الدَّابَّةِ يُكْرَهُ وَكَذَا قَالُوا فِيمَنْ أَرَادَ تَخْلِيلَ الْخَمْرِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَ الْخَلَّ إلَى الْخَمْرِ وَلَوْ عَكَسَ يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ تَتَارْخَانِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ لِطِينٍ) أَيْ لِبَلِّ طِينٍ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَامْتِشَاطِ الْمَرْأَةِ بِهَا لِيَزِيدَ بَرِيقُ شَعْرِهَا أَوْ الِاكْتِحَالِ بِهَا أَوْ جَعْلِهَا فِي سَعُوطٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ، وَمِنْهُ مَا يَأْتِي مِنْ الِاحْتِقَانِ بِهَا أَوْ إقْطَارِهَا فِي إحْلِيلٍ قَالَ الأتقاني: لِأَنَّ ذَلِكَ انْتِفَاعٌ بِالْخَمْرِ وَأَنَّهُ حَرَامٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِعَدَمِ الشُّرْبِ (قَوْلُهُ أَوْ لِخَوْفِ عَطَشٍ) الْإِضَافَةُ عَلَى مَعْنَى مِنْ أَيْ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَطَشٍ بِأَنْ خَافَ هَلَاكَهُ مِنْهُ، وَلَا يَجِدُ مَا يُزِيلُهُ بِهِ إلَّا الْخَمْرَ (قَوْلُهُ فَلَوْ زَادَ فَسَكِرَ حُدَّ) وَكَذَا لَوْ رَوِيَ ثُمَّ شَرِبَ حُدَّ مُجْتَبَى، فَأَفَادَ أَنَّ السُّكْرَ غَيْرُ قَيْدٍ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الضَّرُورَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ فَإِنْ شَرِبَ مِقْدَارَ مَا يَرْوِيهِ وَزِيَادَةً وَلَمْ يُسْكِرْهُ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْحَدُّ كَمَا لَوْ شَرِبَ هَذَا الْقَدْرَ حَالَةَ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَسْكَرْ

(قَوْلُهُ وَيُحَدُّ شَارِبُهَا إلَخْ) فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ خَلَطَهَا بِالْمَاءِ إنْ الْمَاءُ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيًا حُدَّ، وَإِنْ أَغْلَبَ فَلَا إلَّا إذَا سَكِرَ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْقُدُورِيِّ إذَا غَلَبَ الْمَاءُ عَلَيْهَا حَتَّى زَالَ طَعْمُهَا وَرِيحُهَا فَلَا حَدَّ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>