للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(بِخِلَافِ مَا إذَا كَمَنَ) وَاسْتَخْفَى (كَالْفَهْدِ) أَيْ كَمَا يَكْمُنُ الْفَهْدُ عَلَى وَجْهِ الْحِيلَةِ لَا لِلِاسْتِرَاحَةِ. وَلِلْفَهْدِ خِصَالٌ حَسَنَةٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ الْعَمَلُ بِهَا كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي أُكِلَ لِأَنَّ تَعْلِيمَهُ لَيْسَ بِتَرْكِ أَكْلِهِ.

(وَإِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ) وَنَحْوُهُ (لَا) يُؤْكَلُ مُطْلَقًا عِنْدَنَا (كَأَكْلِهِ مِنْهُ) أَيْ كَمَا لَا يُؤْكَلُ الصَّيْدُ الَّذِي أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ (بَعْدَ تَرْكِهِ) لِلْأَكْلِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) لِأَنَّهُ عَلَامَةُ الْجَهْلِ (وَكَذَا) لَا يَأْكُلُ (مَا صَادَ بَعْدَهُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ) ثَانِيًا بِتَرْكِ الْأَكْلِ ثَلَاثًا (أَوْ) مَا صَادَهُ (قَبْلَهُ لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ) فَإِنَّ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ الصَّيْدِ لَا تَظْهَرُ فِيهِ الْحُرْمَةُ اتِّفَاقًا لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ، وَفِيهِ إشْكَالٌ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ

ــ

[رد المحتار]

مَضْبُوطٍ قُهُسْتَانِيٌّ، وَلَوْ عَدَلَ عَنْ الصَّيْدِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ تَشَاغَلَ فِي غَيْرِ طَلَبِ الصَّيْدِ وَفَتَرَ عَنْ سُنَنِهِ ثُمَّ اتَّبَعَهُ فَأَخَذَهُ لَمْ يُؤْكَلْ إلَّا بِإِرْسَالٍ مُسْتَأْنَفٍ أَوْ أَنْ يَزْجُرَهُ صَاحِبُهُ وَيُسَمِّي فِيمَا يَحْتَمِلُ الزَّجْرَ فَيَنْزَجِرُ بَدَائِعُ، وَإِذَا رَدَّ السَّهْمَ رِيحٌ إلَى وَرَائِهِ أَوْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً فَأَصَابَ صَيْدًا لَا يَحِلُّ، وَكَذَا لَوْ رَدَّهُ حَائِطٌ أَوْ شَجَرَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَمَنَ) عَلَى وَزْنِ نَصَرَ وَسَمِعَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ، وَقَوْلُهُ وَاسْتَخْفَى عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَهَذَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا قَبْلَهُ.

(قَوْلُهُ كَمَا بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ) وَنَصُّهُ: قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ نَاقِلًا عَنْ شَيْخِهِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لِلْفَهْدِ خِصَالٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ: مِنْهَا أَنَّهُ يَكْمُنُ لِلصَّيْدِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ مِنْهُ لِلصَّيْدِ فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُجَاهِرَ عَدُوَّهُ بِالْخِلَافِ وَلَكِنْ يَطْلُبُ الْفُرْصَةَ حَتَّى يُحَصِّلَ مَقْصُودَهُ مِنْ غَيْرِ إتْعَابِ نَفْسِهِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُ بِالضَّرْبِ وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْكَلْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَعَلَّمُ بِذَلِكَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَّعِظَ بِغَيْرِهِ كَمَا قِيلَ: السَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْخَبِيثَ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِهِ اللَّحْمَ الطَّيِّبَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَّا الطَّيِّبَ. وَمِنْهَا أَنَّهُ يَثِبُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ أَخْذِهِ تَرَكَ وَيَقُولُ لَا أَقْتُلُ نَفْسِي فِيمَا أَعْمَلُ لِغَيْرِي، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَكَلَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ بِشَرْطِ عِلْمِهِمَا إلَخْ

(قَوْلُهُ مُطْلَقًا عِنْدَنَا) أَيْ سَوَاءً كَانَ نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ فِيمَا إذَا كَانَ نَادِرًا؛ فَفِي قَوْلٍ يَحْرُمُ، وَفِي قَوْلٍ يَحِلُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ (قَوْلُهُ بَعْدَ تَرْكِهِ لِلْأَكْلِ) اللَّامُ لِلتَّقْوِيَةِ وَهِيَ الدَّاخِلَةُ عَلَى مَعْمُولِ عَامِلٍ ضَعُفَ بِالتَّأْخِيرِ أَوْ فَرْعِيَّتُهُ عَنْ غَيْرِهِ نَحْوَ - {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} [الأعراف: ١٥٤]- {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: ١٦]- (قَوْلُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) أَيْ عِنْدَهُمَا وَبِرَأْيِ الصَّائِدِ عِنْدَهُ ط (قَوْلُهُ مَا صَادَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْأَكْلِ الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ بَعْدَ تَرْكِهِ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَكَذَا الضَّمِيرُ فِي قَبْلَهُ (قَوْلُهُ لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ أَوْ قَبْلَهُ، وَشَمِلَ مَا لَمْ يُحْرَزْ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بَعْدُ وَالْحُرْمَةُ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ أَحْرَزَهُ فِي بَيْتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَحْرُمُ، وَتَمَامُهُ فِي الزَّيْلَعِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ حَكَمَ بِجَهْلِ الْكَلْبِ مُسْتَنِدًا وَهُمَا بِالِاقْتِصَارِ عَلَى مَا أَكَلَ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ عِنَايَةٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الزَّادِ (قَوْلُهُ فَإِنَّ مَا أَتْلَفَهُ) أَيْ بِالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ. وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَأَمَّا مَا بَاعَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يُنْقَضُ الْبَيْعُ، فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْقَضَ إذَا تَصَادَقَ مَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى جَهْلِ الْكَلْبِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ إشْكَالٌ ذَكَرَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ) حَيْثُ قَالَ: وَهَاهُنَا إشْكَالٌ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي الْوُجُودَ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَحْكُمُ بِحُرِّيَّةِ الْأَمَةِ الْمَيِّتَةِ عِنْدَ دَعْوَى الْوَلَدِ حُرِّيَّتَهَا اهـ. وَصُورَتُهَا فِيمَا ظَهَرَ لِي أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ بِنِكَاحٍ فَادَّعَى رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِهَا أَنَّهَا أَمَتُهُ زَوَّجَهَا مِنْ أَبِي الْوَلَدِ فَأَثْبَتَ الْوَلَدُ حُرِّيَّتَهَا تَثْبُتُ وَيَنْدَفِعُ عَنْهُ الرِّقُّ تَأَمَّلْ. وَعَلَيْهِ فَلَا يَظْهَرُ مَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهَا بِالْحُرِّيَّةِ إنَّمَا سَرَى إلَيْهَا بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي دَعْوَى النَّسَبِ فَيَعْتِقُ فَتَتْبَعُهُ أُمُّ الْوَلَدِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا اهـ مُلَخَّصًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>