للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحِينَئِذٍ فَلِلرَّهْنِ تَسْلِيمُهُ وَالرُّجُوعِ عَنْهُ كَمَا فِي الْهِبَةِ (فَإِذَا سَلَّمَهُ وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ) حَالَ كَوْنِهِ (مَحُوزًا) لَا مُتَفَرِّقًا كَثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ (مُفَرَّغًا) لَا مَشْغُولًا بِحَقِّ الرَّاهِنِ كَشَجَرٍ بِدُونِ الثَّمَرِ (مُمَيَّزًا) لَا مُشَاعًا وَلَوْ حُكْمًا بِأَنْ اتَّصَلَ الْمَرْهُونُ بِغَيْرِ الْمَرْهُونِ خِلْقَةً كَالشَّجَرِ وَسَيَتَّضِحُ (لَزِمَ) أَفَادَ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ اللُّزُومِ كَمَا فِي الْهِبَةِ، وَصُحِّحَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّهُ شَرْطُ الْجَوَازِ (وَالتَّخْلِيَةِ) بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْمُرْتَهِنِ (قَبَضَ) حُكْمًا عَلَى الظَّاهِرِ (كَالْبَيْعِ) فَإِنَّهَا فِيهِ أَيْضًا قَبْضٌ

(وَهُوَ مَضْمُونٌ إذَا هَلَكَ

ــ

[رد المحتار]

شَيْئًا (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ انْعَقَدَ غَيْرُ لَازِمٍ، وَيُغْنِي عَنْهُ فَاءُ التَّفْرِيعِ كَمَا أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَقَبَضَهُ) أَيْ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَرِيحًا أَوْ مَا جَرَى مَجْرَاهُ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ كَأَبٍ وَوَصِيٍّ وَعَدْلٍ هِنْدِيَّةٌ مُلَخَّصًا، وَلَوْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ سَاكِتٌ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ رَهْنًا فَتَنَبَّهْ (قَوْلُهُ حَالَ كَوْنِهِ) أَيْ الرَّهْنِ، وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ مُتَرَادِفَةٌ أَوْ مُتَدَاخِلَةٌ عَيْنِيٌّ وَأَفَادَ بِهَا أَنَّ الرَّهْنَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لَيْسَ بِلَازِمٍ عِنْدَ الْعَقْدِ بَلْ عِنْدَ الْقَبْضِ، فَلَوْ اتَّصَلَ أَوْ اشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ كَانَ فَاسِدًا لَا بَاطِلًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ شَائِعًا.

وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يَكُونُ بَاطِلًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ، فَلَوْ ارْتَفَعَ الْفَسَادُ عِنْدَ الْقَبْضِ صَارَ صَحِيحًا لَازِمًا كَمَا فِي الْكَرْمَانِيِّ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ مُحَوِّزًا) مِنْ الْحَوْزِ: وَهُوَ الْجَمْعُ وَضَمُّ الشَّيْءِ قَامُوسٌ، وَانْظُرْ مَا فِي الدُّرَرِ (قَوْلُهُ كَثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ) مِثَالٌ لِلْمُتَفَرِّقِ وَكَزَرْعٍ عَلَى أَرْضٍ أَيْ بِدُونِ الشَّجَرِ وَالْأَرْضِ لِأَنَّ الثَّمَرَ وَالزَّرْعَ لَمْ يُحَازَا فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِمَعْنَى أَنَّ يَدَهُ لَمْ تَحْوِهِمَا وَتَجْمَعْهُمَا إذْ لَا يُمْكِنُ حِيَازَةُ ثَمَرٍ بِدُونِ شَجَرٍ وَلَا زَرْعٍ بِدُونِ أَرْضٍ ط (قَوْلُهُ لَا مَشْغُولًا) أَمَّا الشَّاغِلُ فَرَهْنُهُ جَائِزٌ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ بِحَقِّ الرَّاهِنِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِمِلْكِ غَيْرِهِ فَلَا يُمْنَعُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ حَمَوِيٌّ.

أَقُولُ: وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الشَّاغِلِ الَّذِي يَجُوزُ رَهْنُهُ بِغَيْرِ الْمُتَّصِلِ لِمَا عَلِمْتَهُ مِنْ عَدَمِ جَوَازِ رَهْنِ الثَّمَرِ أَوْ الزَّرْعِ وَكَذَا الْبِنَاءُ وَحْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي فَافْهَمْ. (قَوْلُهُ لَا مُشَاعًا) كَنِصْفِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ وَلَوْ مِنْ الشَّرِيكِ، وَسَيَجِيءُ تَمَامُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا ثَبَتَ الشُّيُوعُ فِيهِ ضَرُورَةً (قَوْلُهُ وَلَوْ حُكْمًا إلَخْ) يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ مَحُوزًا (قَوْلُهُ خِلْقَةً) فِي التَّقْيِيدِ بِهِ نَظَرٌ سَنَذْكُرُهُ (قَوْلُهُ وَسَيَتَّضِحُ) أَيْ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ الْآتِي (قَوْلُهُ لَزِمَ) جَوَابُ إذَا (قَوْلُهُ شَرْطُ اللُّزُومِ) مَشَى عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا.

قَالَ فِي الْعِنَايَةِ: وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الْعَامَّةِ.

قَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا، وَمِثْلُهُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ وَمُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ اهـ مُلَخَّصًا.

وَفِي السَّعْدِيَّةِ أَقُولُ: سَبَقَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «لَا تَجُوزُ الْهِبَةُ إلَّا مَقْبُوضَةً» وَالْقَبْضُ لَيْسَ بِشَرْطِ الْجَوَازِ فِي الْهِبَةِ، فَلْيَكُنْ هُنَا كَذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُفَسَّرَ هُنَا أَيْضًا الْجَوَازُ بِاللُّزُومِ لَا بِالصِّحَّةِ كَمَا فَعَلُوا فِي الْهِبَةِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ إلَّا بِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَصُحِّحَ فِي الْمُجْتَبَى) وَكَذَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَالتَّخْلِيَةُ) هِيَ رَفْعُ الْمَوَانِعِ وَالتَّمْكِينُ مِنْ الْقَبْضِ (قَوْلُهُ قَبْضٌ حُكْمًا) لِأَنَّهَا تَسْلِيمٌ فَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِالْقَبْضِ.

فَقَدْ ذَكَرَ الْغَايَةَ الَّتِي يُبْنَى عَلَيْهَا الْحُكْمُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ.

وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: الصَّوَابُ أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَانِعِ مِنْ الْقَبْضِ، وَهُوَ فِعْلُ الْمُسَلِّمِ دُونَ الْمُتَسَلِّمِ وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ اهـ أَفَادَهُ فِي الْمِنَحِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ (قَوْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ هِدَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَهُوَ مَضْمُونٌ إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ مَالِيَّتَهُ مَضْمُونَةٌ، وَأَمَّا عَيْنُهُ فَأَمَانَةٌ.

قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: وَيَهْلِكُ عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ حَتَّى يُكَفِّنَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ حَقِيقَةً، وَهُوَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، حَتَّى لَوْ اشْتَرَاهَا لَا يَنُوبُ قَبْضُ الرَّهْنِ عَنْ قَبْضِ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فَلَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ، وَإِذَا كَانَ مِلْكُهُ فَمَاتَ كَانَ كَفَنُهُ عَلَيْهِ اهـ حَمَوِيٌّ عَلَى الْأَشْبَاهِ. وَاحْتَرَزَ عَمَّا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ جَمِيعَهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا شَرَطَ عَدَمَ الضَّمَانِ لَوْ ضَاعَ، فَالرَّهْنُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَيَهْلِكُ بِالدَّيْنِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>