(وَمُحَدَّدٍ مِنْ خَشَبٍ) وَزُجَاجٍ (وَحَجَرٍ) وَإِبْرَةٍ فِي مَقْتَلٍ بُرْهَانٌ (وَلِيطَةٍ) وَقَوْلُهُ (وَنَارٍ) عَطْفٌ عَلَى مُحَدَّدٍ لِأَنَّهَا تَشُقُّ الْجِلْدَ وَتَعْمَلُ عَمَلَ الذَّكَاةِ، حَتَّى لَوْ وُضِعَتْ فِي الْمَذْبَحِ فَأَحْرَقَتْ الْعُرُوقَ أُكِلَ، يَعْنِي إنْ سَالَ بِهَا الدَّمُ وَإِلَّا لَا كَمَا فِي الْكِفَايَةِ قُلْت: فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: كُلُّ مَا بِهِ الذَّكَاةُ بِهِ الْقُوَّةُ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَفِي الْبُرْهَانِ: وَفِي حَدِيدٍ غَيْرِ مُحَدَّدٍ كَالسَّنْجَةِ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهَا عَمْدٌ. وَفِي الْمُجْتَبَى وَإِحْمَاءُ التَّنُّورِ يَكْفِي لِلْقَوَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَارٌ. وَفِي مُعِينِ الْمُفْتِي لِلْمُصَنِّفِ: الْإِبْرَةُ إذَا أَصَابَتْ الْمَقْتَلَ فَفِيهِ الْقَوَدُ وَإِلَّا فَلَا اهـ فَيُحْفَظُ. وَقَالَا الثَّلَاثَةُ: ضَرْبُهُ قَصْدًا بِمَا لَا تُطِيقُهُ الْبِنْيَةُ كَخَشَبٍ عَظِيمٍ عَمْدٌ (وَمُوجَبُهُ الْإِثْمُ) فَإِنَّ حُرْمَتَهُ أَشَدُّ مِنْ حُرْمَةِ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ لِجَوَازِهِ لِمُكْرَهٍ، بِخِلَافِ الْقَتْلِ.
ــ
[رد المحتار]
وَضِعَ لِلْقَتْلِ، قَالَ تَعَالَى - {وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: ٢٥]- وَكَذَا كُلُّ مَا يُشْبِهُ الْحَدِيدَ كَالصُّفْرِ وَالرَّصَاصِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ يَبْضَعُ أَوْ يَرُضُّ: حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ بِالْمُثَقَّلِ مِنْهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا إذَا ضَرَبَهُ بِعَمُودٍ مِنْ صُفْرٍ أَوْ رَصَاصٍ اهـ. وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ الْإِمَامِ اعْتِبَارَ الْجُرْحِ فِي الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَرَجَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي فِي مَسْأَلَةِ الْمَرِّ.
قُلْت: وَعَلَى كُلٍّ فَالْقَتْلُ بِالْبُنْدُقَةِ الرَّصَاصِ عَمْدٌ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ وَتَجْرَحُ فَيُقْتَصُّ بِهِ، لَكِنْ إذَا لَمْ تَجْرَحْ لَا يُقْتَصُّ بِهِ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ كَمَا أَفَادَهُ ط عَنْ الشَّلَبِيِّ. والإشفن بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ: مَا يُخْرَزُ بِهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَمُحَدَّدٍ مِنْ خَشَبٍ) أَيْ بِأَنْ نُحِتَ حَتَّى صَارَ لَهُ حِدَةٌ يُقْطَعُ بِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا يَكُونُ فِي طَرَفِهِ حَدِيدٌ كَمَا وُهِمَ؛ لِأَنَّهُ مَسْأَلَةُ الْمَرِّ الْآتِيَةِ، وَفِيهَا تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ (قَوْلُهُ وَإِبْرَةٍ فِي مَقْتَلٍ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِإِبْرَةٍ وَمَا يُشْبِهُهَا عَمْدًا فَمَاتَ لَا قَوَدَ فِيهِ، وَفِي الْمِسَلَّةِ وَنَحْوِهَا الْقَوَدُ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَةَ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ عَادَةً وَيُقْصَدُ بِالْمِسَلَّةِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنْ غَرَزَ بِالْإِبْرَةِ فِي الْمَقْتَلِ قُتِلَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: غَرَزَهُ بِإِبْرَةٍ حَتَّى مَاتَ يُقْتَصُّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْحَدِيدِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَا قِصَاصَ إلَّا إذَا غَرَزَهُ فِي الْمَقْتَلِ، وَكَذَا لَوْ عَضَّهُ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: فِي الْإِبْرَةِ الْقَوَدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ اهـ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ وَجَزَمَ بِعَدَمِهِ فِي الْخَانِيَّةِ. أَقُولُ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ بِالْمَقْتَلِ تَوْفِيقًا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلِيطَةٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ: قِشْرُ الْقَصَبِ اللَّازِقُ بِهِ ط عَنْ الْحَمَوِيِّ (قَوْلُهُ عَطْفٌ عَلَى مُحَدَّدٍ) أَيْ لَا عَلَى خَشَبٍ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمُحَدَّدِ: قَالَ سَعْدِيٌّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ عَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا إذْ الْوَاقِعُ فِي صُورَةِ النَّارِ هُوَ الْإِلْقَاءُ فِيهَا لَا الضَّرْبُ بِهَا اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهَا تَشُقُّ الْجِلْدَ إلَخْ) بَيَانٌ لِكَوْنِهَا مِنْ الْعَمْدِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ) قَالَ ط: وَنَحْوُهُ فِي الْخِزَانَةِ وَالنِّهَايَةِ حَمَوِيٌّ عَنْ الْمَقْدِسِيَّ اهـ (قَوْلُهُ وَفِي الْبُرْهَانِ إلَخْ) ذَكَرَ هَذِهِ النُّقُولَ الثَّلَاثَةَ نَقْضًا لِعَكْسِ الْكُلِّيَّةِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ فِي الذَّكَاةِ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ وَإِنْهَارُ الدَّمِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِالسَّنْجَةِ وَالتَّنُّورِ الْمَحْمِيِّ وَالْإِبْرَةِ، وَلِذَا أَعَادَ مَسْأَلَةَ الْإِبْرَةِ وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهَا آنِفًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ غَيْرُ مُحَدَّدٍ) أَيْ لَا حَدَّ لَهُ (قَوْلُهُ كَالسَّنْجَةِ) فِي الْقَامُوسِ: سَنْجَةُ الْمِيزَانِ مَفْتُوحَةٌ وَبِالسِّينِ أَفْصَحُ مِنْ الصَّادِ اهـ. وَذَكَرَ فِي فَصْلِ الصَّادِ: الصَّنْجُ شَيْءٌ يُتَّخَذُ مِنْ صُفْرٍ يُضْرَبُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَآلَةٌ بِأَوْتَارٍ يُضْرَبُ بِهَا اهـ.
زَادَ فِي الْمُغْرِبِ: وَيُقَالُ لِمَا يُجْعَلُ فِي إطَارِ الدُّفِّ مِنْ الْهِنَاتِ الْمُدَوَّرَةِ صُنُوجٌ أَيْضًا (قَوْلُهُ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهَا عَمْدٌ) بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْجُرْحِ فِي الْحَدِيدِ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَارٌ) أَيْ عَلَى الصَّحِيحِ قُهُسْتَانِيٌّ. وَفِيهِ: لَوْ قُيِّدَ بِحَبْلٍ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي قِدْرٍ فِيهِ مَاءٌ مَغْلِيٌّ جِدًّا فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ فِيهِ مَاءٌ حَارٌّ فَأَنْضَجَ جَسَدَهُ وَمَكَثَ سَاعَةً ثُمَّ مَاتَ قُتِلَ بِهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِمَا لَا تُطِيقُهُ الْبِنْيَةُ) أَيْ الْبَدَنُ. فِي الْقَامُوسِ: الْبِنْيَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ مَا بَنَيْته. وَبَنَى الطَّعَامُ بَدَنَهُ: سَمَّنَهُ، وَلَحْمَهُ أَنْبَتَهُ (قَوْلُهُ فَإِنَّ حُرْمَتَهُ) الْأَوْلَى وَحُرْمَتُهُ ط (قَوْلُهُ أَشَدُّ مِنْ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ) أَيْ أَشَدُّ مِنْ الْكُفْرِ الصُّورِيِّ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute