للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ (مَهْرُ مِثْلِهَا وَالدِّيَةُ فِي مَالِهَا إنْ تَعَمَّدَتْ) وَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بَيْنَ الْمَهْرِ وَالدِّيَةِ إنْ تَسَاوَيَا وَإِلَّا تَرَادَّا الْفَضْلَ (وَعَلَى عَاقِلَتِهَا إنْ أَخْطَأَتْ) فِي قَطْعِ يَدِهِ وَلَا يَتَقَاصَّانِ لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَإِ، بِخِلَافِ الْعَمْدِ فَإِنَّ الدِّيَةَ عَلَيْهَا، وَالْمَهْرُ عَلَى الزَّوْجِ فَيَتَقَاصَّانِ.

قُلْت: وَقَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ: يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْمُقَاصَّةُ فِي الْخَطَإِ أَيْضًا لِأَنَّهَا عَلَيْهَا دُونَ الْعَاقِلَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي الدِّيَةِ، لَكِنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي الْعَجَمِ وَلَعَلَّهُ أَطْلَقَهُ لِإِحَالَتِهِ لِمَحَلِّهِ فَلْيُحْفَظْ.

(وَإِنْ نَكَحَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُ وَجَبَ لَهَا فِي الْعَمْدِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) لِرِضَاهُ بِالسُّقُوطِ

ــ

[رد المحتار]

؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَرِئَ تَبَيَّنَ أَنَّ مُوجِبَهَا الْأَرْشُ دُونَ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي فِي الْأَطْرَافِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْأَرْشُ يَصْلُحُ صَدَاقًا كِفَايَةٌ (قَوْلُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَصْلُهُ مَا مَرَّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَتْلِ أَوْ الشَّجَّةِ أَوْ الْيَدِ إذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ لَيْسَ بِعَفْوٍ عَنْ النَّفْسِ عِنْدَهُ. وَعِنْدَهُمَا عَفْوٌ عَنْهَا أَتْقَانِيٌّ. فَعِنْدَهُمَا الْحُكْمُ هُنَا كَالْحُكْمِ الْأَتْي فِيمَا إذَا نَكَحَهَا عَلَى الْيَدِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا (قَوْلُهُ إنْ تَعَمَّدَتْ) قُيِّدَ لِقَوْلِهِ وَالدِّيَةُ فِي مَالِهَا. أَمَّا وُجُوبُ مَهْرِ الْمِثْلِ فَهُوَ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ إنْ كَانَ عَمْدًا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ مَهْرًا فَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.

لَا يُقَالُ: الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الطَّرَفِ فَكَيْفَ يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْعَمْدِ الْقِصَاصُ، وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ، ثُمَّ عَلَيْهَا الدِّيَةُ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّنُ الْعَفْوَ لَكِنْ عَنْ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ، وَإِذَا سَرَى يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قَتْلُ النَّفْسِ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهَا؛ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً يَكُونُ هَذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ، وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنْ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَأَنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَإِلَّا تَرَادَّا الْفَضْلَ) أَيْ إنْ كَانَ فِي الدِّيَةِ فَضْلٌ تَرُدُّهُ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَهْرِ فَضْلٌ يَرُدُّهُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهَا ابْنُ كَمَالٍ (قَوْلُهُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ) أَيْ وَالْمَهْرُ لِلْمَرْأَةِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمُقَاصَّةُ إذَا اتَّحَدَتْ الذِّمَّةُ فِي الْوُجُوبِ لَهَا وَعَلَيْهَا كَمَا فِي الْعَمْدِ أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ لَكِنَّهُ إلَخْ) هُوَ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ فِي حَاشِيَةِ الدُّرَرِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ فِي الْخَطَأِ إنَّمَا هُوَ فِي الْعَجَمِ: أَيْ مَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ مُطْلَقًا، وَهَذَا مُرَادُ صَاحِبِ الدُّرَرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُقَيَّدْ بِالْعَجَمِ إحَالَةٌ إلَى مَحَلِّهِ: أَيْ اعْتِمَادًا عَلَى ذِكْرِهِ فِي مَحَلِّهِ.

وَأَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ مُرَادُ صَاحِبِ الدُّرَرِ أَنَّهَا عَلَى الْقَاتِلِ مُطْلَقًا، يُوَضِّحُهُ مَا فِي الْكِفَايَةِ حَيْثُ قَالَ. مَطْلَبٌ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ لَا يُقَالُ: إنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ فَيَكُونُ أَصْلُ الْوُجُوبِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَاعْتِبَارُ هَذَا يُوجِبُ جَوَازَ الْمُقَاصَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: عِنْدَ الْبَعْضِ الْعَاقِلَةُ ابْتِدَاءً. وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ عَنْ الْقَاتِلِ بِطَرِيقِ الْحَوَالَةِ وَالْحَوَالَةُ تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ اهـ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَطْعِ (قَوْلُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ) ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ عَلَى الْقِصَاصِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي الْعَمْدِ وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا نَكَحَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ (قَوْلُهُ لِرِضَاهُ بِالسُّقُوطِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْقِصَاصَ مَهْرًا فَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ لِجِهَةِ الْمَهْرِ فَيَسْقُطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>