وَهُوَ الْأَصَحُّ زَيْلَعِيٌّ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا لَهُمَا بِمَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْقَاتِلُ (وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِشَيْءٍ جَارِحٍ فَلَمْ يَزَلْ صَاحِبُ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ يُقْتَصُّ) لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ مُعَايَنَةً وَلَا يَحْتَاجُ الشَّاهِدُ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ مَاتَ مِنْ جِرَاحَتِهِ بَزَّازِيَّةٌ
(وَإِنْ اخْتَلَفَ شَاهِدَا قَتْلٍ فِي زَمَانٍ أَوْ فِي الْمَكَانِ أَوْ فِي آلَتِهِ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصًا وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ أَدْرِ بِمَاذَا قَتَلَهُ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ وَالْآخَرُ عَلَى إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِهِ بَطَلَتْ) ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ
ــ
[رد المحتار]
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا الْمَالَ عَلَى الْقَاتِلِ، وَالْقَاتِلُ مُنْكِرٌ فَلَمْ يَثْبُتْ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلْأَخِ قَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِ الْأَخِ بِالْعَفْوِ لِكَوْنِهِ تَكْذِيبًا لِلْقَاتِلِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَاتِلَ بِتَكْذِيبِهِ أَقَرَّ لِلْأَخِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ بِإِخْبَارِهِمَا بِالْعَفْوِ كَابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا وَالْمُقَرُّ لَهُ مَا كَذَّبَ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً، بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ، وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ، فَالْمَالُ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي كَذَا هُنَا دُرَرٌ مُوَضِّحًا (قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ زَيْلَعِيٌّ) عِبَارَتُهُ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَانَ هَذَا الثُّلُثُ لِلشَّاهِدَيْنِ، لَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ إلَخْ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُقَابِلَ الْأَصَحِّ كَوْنُهُ لِلْأَخِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ يُقْتَصُّ) لَا يُقَالُ الضَّرْبُ بِسِلَاحٍ قَدْ يَكُونُ خَطَأً فَكَيْفَ يَجِبُ الْقَوَدُ. لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا شَهِدُوا بِالضَّرْبِ بِالسِّلَاحِ ثَبَتَ الْعَمْدُ لَا مَحَالَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَطَأً لَقَالُوا إنَّهُ قَصَدَ غَيْرَهُ فَأَصَابَهُ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْكَافِي: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْأَلَ الشُّهُودُ أَنَّهُ مَاتَ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ ضُرِبَ بِالسَّيْفِ حَتَّى مَاتَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْعَمْدَ؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُعْرَفُ بِدَلِيلِهِ وَهُوَ الضَّرْبُ بِآلَةٍ قَاتِلَةٍ عَادَةً وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا، وَأَنَّهُ مَاتَ فَهُوَ أَحْوَطُ اهـ أَتْقَانِيٌّ.
قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَوَّلُ الْجِنَايَاتِ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْقَتْلِ بِالْآلَةِ الْجَارِحَةِ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاتِلِ لَمْ أَقْصِدْهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ وَقَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْ جِهَتِهِ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الْعَمْدِيَّةِ وَالْخَطَئِيَّةِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَيُحْمَلُ عَلَى الْأَدْنَى.
قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة: وَفِي الْمُجَرَّدِ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَ فُلَانًا بِحَدِيدَةٍ أَوْ سَيْفٍ، ثُمَّ قَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ فَقَتَلْته لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ وَيُقْتَلُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ ضَرَبْت فُلَانًا بِالسَّيْفِ فَقَتَلْته، قَالَ هَذَا خَطَأٌ حَتَّى يَقُولَ عَمْدًا اهـ مُلَخَّصًا.
أَقُولُ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَارِ إنَّمَا تَظْهَرُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ الشَّاهِدُ إلَخْ) ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ مَتَى وُجِدَ عَقِيبَ سَبَبٍ صَالِحٍ يُضَافُ إلَيْهِ لَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الظَّاهِرِ سَبَبٌ آخَرُ، وَإِنْ احْتَمَلَ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ خِلَافِ الظَّاهِرِ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَحْكَامِ أَتْقَانِيٌّ
(قَوْلُهُ أَوْ فِي الْمَكَانِ) أَيْ الْمُتَبَاعِدِ فَإِنْ كَانَ مُتَقَارِبًا كَبَيْتٍ شَهِدَ أَحَدُهُمَا إنِّي رَأَيْته قَتَلَهُ فِي هَذَا الْجَانِبِ، وَشَهِدَ الْآخَرُ إنِّي رَأَيْته قَتَلَهُ فِي هَذَا الْجَانِبِ فَتُقْبَلُ وَلْوَالِجِيَّةٌ (قَوْلُهُ أَوْ فِي آلَتِهِ) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصًا وَالْآخَرُ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ. قَالَ فِي الْخِزَانَةِ: وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ وَالْآخَرُ بِالسِّكِّينِ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَتَانِ بِإِقْرَارِهِ جَازَ اهـ وَمِنْهُ يَظْهَرُ أَنَّ وَجْهَ بُطْلَانِ الشَّهَادَةِ مُجَرَّدُ الِاخْتِلَافِ لَا كَوْنُ مُوجِبِ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا الْعَمْدَ وَالْآخَرِ الْخَطَأَ عَزْمِيَّةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَكَرَّرُ) هَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الزَّمَانِ أَوْ الْمَكَانِ أَوْ الْآلَةِ، فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَحَدَ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَ فِيهِ بِقَتْلٍ، وَالْآخَرُ بِآخَرَ وَيَلْزَمُ مِنْهُ اخْتِلَافُهُمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ.
وَأَمَّا فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ فَالْعِلَّةُ أَنَّ أَحَدَهُمَا شَهِدَ بِشِبْهِ الْعَمْدِ، وَالْآخَرُ بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ يَحْتَمِلُ الْعَمْدَ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ فَلَمْ يَثْبُتْ اتِّفَاقُهُمَا فِي الْمَشْهُودِ بِهِ، وَكَذَا فِي الْخَامِسَةِ لِشَهَادَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْفِعْلِ وَالْآخَرِ