للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالثَّالِثُ إمَّا اخْتِيَارِيٌّ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ أَوْ اضْطِرَارِيٌّ وَهُوَ الْمِيرَاثُ وَسُمِّيَ فَرَائِضَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَهُ بِنَفْسِهِ وَأَوْضَحَهُ وُضُوحَ النَّهَارِ بِشَمْسِهِ وَلِذَا سَمَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِصْفَ الْعِلْمِ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ لَا غَيْرُ. وَأَمَّا غَيْرُهُ فَبِالنَّصِّ تَارَةً وَبِالْقِيَاسِ أُخْرَى وَقِيلَ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَوْتِ وَغَيْرُهُ بِالْحَيَاةِ أَوْ بِالضَّرُورِيِّ وَغَيْرُهُ بِالِاخْتِيَارِيِّ

وَهَلْ إرْثُ الْحَيِّ مِنْ الْحَيِّ أَمْ مِنْ

ــ

[رد المحتار]

وَالْمُرَادُ بِالْفَرَائِضِ السِّهَامُ الْمُقَدَّرَةُ كَمَا مَرَّ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَصَبَاتُ، وَذُو الرَّحِمِ لِأَنَّ سِهَامَهُمْ مُقَدَّرَةٌ وَإِنْ كَانَتْ بِتَقْدِيرٍ غَيْرِ صَرِيحٍ.

، وَمَوْضُوعُهُ: التَّرِكَاتُ، وَغَايَتُهُ: إيصَالُ الْحُقُوقِ لِأَرْبَابِهَا، وَأَرْكَانُهُ: ثَلَاثَةٌ وَارِثٌ وَمُورَثٌ وَمَوْرُوثٌ. وَشُرُوطُهُ: ثَلَاثَةٌ: مَوْتٌ مُوَرِّثٍ حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَمَفْقُودٍ، أَوْ تَقْدِيرًا كَجَنِينٍ فِيهِ غُرَّةٌ وَوُجُودُ وَارِثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ حَيًّا حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا كَالْحَمْلِ وَالْعِلْمِ بِجِهَةِ إرْثِهِ، وَأَسْبَابِهِ وَمَوَانِعِهِ سَيَأْتِي وَأُصُولُهُ: ثَلَاثَةٌ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فِي إرْثِ أُمِّ الْأُمِّ بِشَهَادَةِ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ سَلَمَةَ، وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ فِي إرْثِ أُمِّ الْأَبِ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الدَّاخِلِ فِي عُمُومِ الْإِجْمَاعِ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ هُنَا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ فِي أُمِّ الْأَبِ وَقَدْ عَلِمْت جَوَابَهُ وَاسْتِمْدَادَهُ مِنْ هَذِهِ الْأُصُولِ أَفَادَهُ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَسَمَهُ) الْأَوْلَى قَدَّرَهُ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّهُ مَعْنَى الْفَرْضِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ وَلَمْ يُفَوِّضْ تَقْدِيرَهُ إلَى مَلَكٍ مُقَرَّبٍ، وَلَا نَبِيٍّ مُرْسَلٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّ النُّصُوصَ فِيهَا مُجْمَلَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: ٩٧]- وَإِنَّمَا السُّنَّةُ بَيَّنَتْهَا زَيْلَعِيٌّ.

(قَوْلُهُ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ لَا غَيْرُ) أَرَادَ بِالنَّصِّ مَا يَشْمَلُ الْإِجْمَاعَ، وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الْمَوَارِيثِ لِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لَهُ فِي الْمُقَدَّرَاتِ لِخَفَاءِ وَجْهِ الْحِكْمَةِ فِي التَّخْصِيصِ بِمِقْدَارٍ دُونَ آخَرَ ثُمَّ إنَّ هَذَا عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: أَوْ لِثُبُوتِهِ فَيَكُونُ عِلَّةً ثَانِيَةً لِتَسْمِيَتِهِ نِصْفَ الْعِلْمِ وَقِيلَ فِي وَجْهِ التَّسْمِيَةِ غَيْرُ مَا ذَكَرَهُ، وَقِيلَ أَنَّهُ مِمَّا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ فَتَصْدُقُ بِأَنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ، وَلَا نَبْحَثُ عَنْ وَجْهِهِ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَوْجُهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النِّصْفَ يُرَادُ بِهِ أَحَدُ قِسْمَيْ الشَّيْءِ، فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَهُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا نِصْفٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ عَدَدُهُمَا، وَمِنْهُ حَدِيثُ أَحْمَدَ «الطَّهُورُ نِصْفُ الْإِيمَانِ» ، وَقَوْلُ الْعَرَبِ: نِصْفُ السَّنَةِ حَضَرٌ وَنِصْفُهَا سَفَرٌ أَيْ تَنْقَسِمُ زَمَانَيْنِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ عِدَّتُهُمَا، وَقَوْلُ شُرَيْحٍ وَقَدْ قِيلَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْت فَقَالَ: أَصْبَحْت وَنِصْفُ النَّاسِ عَلَيَّ غَضْبَانُ يُرِيدُ أَنَّهُمْ بَيْنَ مَحْكُومٍ لَهُ رَاضٍ وَمَحْكُومٌ عَلَيْهِ غَضْبَانُ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

إذَا مِتّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَانِ شَامِتٌ ... وَآخَرُ رَاضٍ بِاَلَّذِي كُنْت أَصْنَعُ

وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ: الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ نِصْفُ الْوُضُوءِ: أَيْ أَنَّهُ نَوْعَانِ مُطَهِّرٌ لِبَعْضِ الْبَاطِنِ، وَمُطَهَّرٌ لِبَعْضِ الظَّاهِرِ، أَفَادَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ (قَوْلُهُ بِالنَّصِّ) أَرَادَ بِهِ مَا يَعُمُّ الْإِجْمَاعَ (قَوْلُهُ أَوْ بِالضَّرُورِيِّ) أَيْ الْإِرْثِ وَالِاخْتِيَارِيِّ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ

(قَوْلُهُ وَهَلْ إرْثُ الْحَيِّ مِنْ الْحَيِّ إلَخْ) أَيْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ فِي آخِرِ جَزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ، وَالْأَوَّلُ قَوْلُ زُفَرَ وَمَشَايِخِ الْعِرَاقِ، وَالثَّانِي قَوْلُ الصَّاحِبَيْنِ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ تَزَوَّجَ بِأَمَةِ مُوَرِّثِهِ، وَلَا وَارِثَ غَيْرُهُ فَقَالَ لَهَا: إذَا مَاتَ مَوْلَاك فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَعْتِقُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى الْمَوْتِ وَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ قَبْلَهُ، وَعَلَى الثَّانِي لَا تَعْتِقُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بَعْدَهُ أَفَادَهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ، وَتَظْهَرُ الثَّمَرَةُ أَيْضًا فِيمَا لَوْ عَلَّقَ الْوَارِثُ طَلَاقَهَا بِمَوْتِ مَوْلَاهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْبِيرِيُّ عَنْ السِّرَاجِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>