كَكَفَنِ السُّنَّةِ أَوْ قَدْرِ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ وَلَوْ هَلَكَ كَفَنُهُ فَلَوْ قَبْلَ تَفَسُّخِهِ كُفِّنَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَكُلُّهُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ (ثُمَّ) تُقَدَّمُ (دُيُونُهُ الَّتِي لَهَا مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ) وَيُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ إنْ جُهِلَ سَبَبُهُ وَإِلَّا فَسِيَّانِ كَمَا بَسَطَهُ السَّيِّدُ، (وَأَمَّا دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ أَوْصَى بِهِ وَجَبَ تَنْفِيذُهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي وَإِلَّا لَا ثُمَّ) تُقَدَّمُ (وَصِيَّتُهُ)
ــ
[رد المحتار]
صَرْفُهُ فِيمَا لَا يَنْبَغِي صَرَّحَ بِهِ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ يَعْقُوبَ، وَعَلَيْهِ فَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالْإِسْرَافِ بَدَلَ التَّبْذِيرِ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: ٦٧]- لَكِنَّهُ رَاعَى الْمَشْهُورَ (قَوْلُهُ كَكَفَنِ السُّنَّةِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ وَقَوْلُهُ أَوْ قَدْرِ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، وَأَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: ثُمَّ الْإِسْرَافُ نَوْعَانِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ بِأَنْ يُزَادَ فِي الرَّجُلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ، وَفِي الْمَرْأَةِ عَلَى خَمْسَةٍ وَمِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ بِأَنْ يُكَفَّنَ فِيمَا قِيمَتُهُ تِسْعُونَ، وَقِيمَةُ مَا يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ سِتُّونَ مَثَلًا وَالتَّقْتِيرُ أَيْضًا نَوْعَانِ عَكْسُ الْإِسْرَافِ عَدَدًا وَقِيمَةً اهـ وَهَذَا إذَا لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ، فَلَوْ أَوْصَى تُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ عَلَى كَفَنِ الْمِثْلِ مِنْ الثُّلُثِ، وَكَذَا لَوْ تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ بِهِ أَوْ أَجْنَبِيٌّ، فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ لَا الْعَدَدُ، وَهَلْ لِلْغُرَمَاءِ الْمَنْعُ مِنْ كَفَنِ الْمِثْلِ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ نَعَمْ دُرٌّ مُنْتَقًى: أَيْ فَيُكَفَّنُ بِكَفَنِ الْكِفَايَةِ وَهُوَ ثَوْبَانِ لِلرَّجُلِ وَثَلَاثَةٌ لِلْمَرْأَةِ ابْنُ كَمَالٍ.
(قَوْلُهُ أَوْ قَدْرِ مَا كَانَ يَلْبَسُهُ فِي حَيَاتِهِ) أَيْ مِنْ أَوْسَطِ ثِيَابِهِ، أَوْ مِنْ الَّذِي كَانَ يَتَزَيَّنُ بِهِ فِي الْأَعْيَادِ وَالْجُمَعِ وَالزِّيَارَاتِ عَلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ كَفَنُهُ إلَخْ) قَالَ فِي سَكْبِ الْأَنْهُرِ: وَإِذَا نُبِشَ قَبْرُ الْمَيِّتِ وَأُخِذَ كَفَنُهُ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَلَوْ ثَالِثًا أَوْ رَابِعًا مَا دَامَ طَرِيًّا وَلَا يُعَادُ غَسْلُهُ وَلَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَفَسَّخَ يُلَفُّ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ مَالِهِ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْغُرَمَاءُ قَدْ قَبَضُوا التَّرِكَةَ، فَلَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ قَدْ قَسَمَ مَالَهُ، فَعَلَ كُلُّ وَارِثٍ بِقَدْرِ نَصِيبِهِ دُونَ الْغُرَمَاءِ، وَأَصْحَابِ الْوَصَايَا لِأَنَّهُمْ أَجَانِبُ، وَلَا تُجْبَرُ الْوَرَثَةُ عَلَى قَبُولِ كَفَنِ مُتَبَرِّعٍ، لِأَنَّ فِيهِ لُحُوقَ الْعَارِ بِهِمْ إلَّا إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ صِغَارًا، فَحِينَئِذٍ لَوْ رَأَى الْإِمَامُ مَصْلَحَةً يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَخْتَارُوا الْقِيَامَ بِأَنْفُسِهِمْ فَحِينَئِذٍ هُمْ أَوْلَى بِهِ اهـ أَيْ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ الْكِبَارُ مِنْهُمْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيُقَدَّمُ دَيْنُ الصِّحَّةِ) هُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِالْبَيِّنَةِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْإِقْرَارِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ ط.
وَقَدْ يُرَجَّحُ بَعْضُهُ كَدَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى مُكَاتَبٍ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ يُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الْمَوْلَى وَكَالدَّيْنِ الثَّابِتِ عَلَى نَصْرَانِيٍّ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِ وَالدَّيْنُ الثَّابِتُ بِدَعْوَى الْمُسْلِمِ عَلَيْهِ يُقَدَّمُ عَلَى الدَّيْنِ الثَّابِتِ عَلَيْهِ بِدَعْوَى كَافِرٍ إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا كَافِرَيْنِ، أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ أَمَّا إذَا كَانَ شُهُودُهُمَا مُسْلِمِينَ أَوْ شُهُودُ الْكَافِرِ فَقَطْ، فَهُمَا سَوَاءٌ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ لِلرَّمْلِيِّ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَلَى دَيْنِ الْمَرَضِ) هُوَ مَا كَانَ ثَابِتًا بِإِقْرَارِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ فِيمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَرَضِ كَإِقْرَارِ مَنْ خَرَجَ لِلْمُبَارَزَةِ أَوْ أُخْرِجَ لِلْقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ لِيُرْجَمَ ط عَنْ عَجَمْ زَادَهْ (قَوْلُهُ إنْ جُهِلَ سَبَبُهُ) أَمَّا إذَا عُلِمَ بِأَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ عُلِمَ ثُبُوتُهُ بِطَرِيقِ الْمُعَايَنَةِ، كَمَا يَجِبُ بَدَلًا عَنْ مَالٍ مَلَكَهُ أَوْ اسْتَهْلَكَهُ كَانَ ذَلِكَ بِالْحَقِيقَةِ مِنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ إذْ قَدْ عُلِمَ وُجُوبُهُ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ، فَلِذَلِكَ سَاوَاهُ فِي الْحُكْمِ اهـ سَيِّدٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَذَلِكَ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَنَحْوِهَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهَا إلَّا إذَا أَوْصَى بِهَا؛ أَوْ تَبَرَّعُوا بِهَا هُمْ مِنْ عِنْدِهِمْ، لِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الْعِبَادَاتِ نِيَّةُ الْمُكَلَّفِ وَفِعْلُهُ، وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْوَاجِبِ اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ، أَقُولُ: وَظَاهِرُ التَّعْلِيلِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَوْ تَبَرَّعُوا بِهَا لَا يَسْقُطُ الْوَاجِبُ عَنْهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْهُ وَلِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهِ بِدُونِ إذْنِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي) أَيْ الْفَاضِلِ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَعَنْ دَيْنِ الْعِبَادِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى.
(قَوْلُهُ ثُمَّ تَقَدَّمَتْ وَصِيَّتُهُ) أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute