فِي عِبَارَةِ الدُّرَرِ، فَتَبَصَّرْ وَتَعَرَّفَ بِالدَّلِيلِ؛ وَهُوَ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ مَحَارِيبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَفِي الْمَفَاوِزِ وَالْبِحَارِ النُّجُومُ كَالْقُطْبِ
ــ
[رد المحتار]
وَقَالَ فِي شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ: وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إلَى الْجِهَةِ أَقَاوِيلُ كَثِيرَةٌ وَأَقْرَبُهَا إلَى الصَّوَابِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ أَنْ يُنْظَرَ فِي مَغْرِبِ الصَّيْفِ فِي أَطْوَلِ أَيَّامِهِ وَمَغْرِبِ الشِّتَاءِ فِي أَقْصَرِ أَيَّامِهِ فَلْيَدَعْ الثُّلُثَيْنِ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالثُّلُثَ فِي الْأَيْسَرِ وَالْقِبْلَةَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ هَكَذَا وَصَلَّى فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبَيْنِ يَجُوزُ، وَإِذَا وَقَعَ خَارِجًا مِنْهَا لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي عَنْ أَمَالِي الْفَتَاوَى: حَدُّ الْقِبْلَةِ فِي بِلَادِنَا يَعْنِي سَمَرْقَنْدَ: مَا بَيْنَ الْمَغْرِبَيْنِ مَغْرِبِ الشِّتَاءِ وَمَغْرِبِ الصَّيْفِ، فَإِنْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ خَرَجَتْ مِنْ الْمَغْرِبَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ اهـ وَسَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ أَنَّهَا تَفْسُدُ بِتَحْوِيلِ صَدْرِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَعُلِمَ أَنَّ الِانْحِرَافَ الْيَسِيرَ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى مَعَهُ الْوَجْهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْ جَوَانِبِهِ مُسَامِتًا لِعَيْنِ الْكَعْبَةِ أَوْ لِهَوَائِهَا، بِأَنْ يَخْرُجَ الْخَطُّ مِنْ الْوَجْهِ أَوْ مِنْ بَعْضِ جَوَانِبِهِ وَيَمُرَّ عَلَى الْكَعْبَةِ أَوْ هَوَائِهَا مُسْتَقِيمًا، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْخَطُّ الْخَارِجُ عَلَى اسْتِقَامَةٍ خَارِجًا مِنْ جَبْهَةِ الْمُصَلِّي بَلْ مِنْهَا أَوْ مِنْ جَوَانِبِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الدُّرَرِ مِنْ جَبِينِ الْمُصَلِّي، فَإِنَّ الْجَبِينَ طَرَفُ الْجَبْهَةِ وَهُمَا جَبِينَانِ، وَعَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ يُحْمَلُ مَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْفَتَاوَى مِنْ أَنَّ الِانْحِرَافَ الْمُفْسِدَ أَنْ يُجَاوِزَ الْمَشَارِقَ إلَى الْمَغَارِبَ اهـ فَهَذَا غَايَةُ مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَحِلِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ فَتَبَصَّرْ) أَشَارَ إلَى دِقَّةِ مَلْحَظِهِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ وَإِلَى عَدَمِ الِاسْتِعْجَالِ بِالِاعْتِرَاضِ وَمَعَ هَذَا نَسَبُوهُ إلَى عَدَمِ الْفَهْمِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ مَحَارِيبُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ) فَلَا يَجُوزُ التَّحَرِّي مَعَهَا زَيْلَعِيٌّ، بَلْ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُمْ خَانِيَةٌ وَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى قَوْلِ الْفَلَكِيِّ الْعَالِمِ الْبَصِيرِ الثِّقَةِ إنَّ فِيهَا انْحِرَافًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيَّةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا يُقَالُ إنَّ قِبْلَةَ أُمَوِيِّ دِمَشْقَ وَأَكْثَرِ مَسَاجِدِهَا الْمَبْنِيَّةِ عَلَى سَمْتِ قِبْلَتِهِ فِيهَا بَعْضُ انْحِرَافٍ وَإِنَّ أَصَحَّ قِبْلَةً فِيهَا قِبْلَةُ جَامِعِ الْحَنَابِلَةِ الَّذِي فِي سَفْحِ الْجَبَلِ. إذْ لَا شَكَّ أَنَّ قِبْلَةَ الْأُمَوِيِّ مِنْ حِينِ فَتْحِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ صَلَّى مِنْهُمْ إلَيْهَا وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُمْ أَعْلَمُ وَأَوْثَقُ وَأَدْرَى مِنْ فَلَكِيٍّ لَا نَدْرِي هَلْ أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ، بَلْ ذَلِكَ يُرَجِّحُ خَطَأَهُ وَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ (قَوْلُهُ كَالْقُطْبِ) هُوَ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ، وَهُوَ نَجْمٌ صَغِيرٌ فِي بَنَاتِ نَعْشٍ الصُّغْرَى بَيْنَ الْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيِ، إذَا جَعَلَهُ الْوَاقِفُ خَلَفَ أُذُنِهِ الْيُمْنَى كَانَ مُسْتَقْبِلًا الْقِبْلَةَ إنْ كَانَ بِنَاحِيَةِ الْكُوفَةِ وَبَغْدَادَ وَهَمْدَانَ، وَيَجْعَلُهُ مَنْ بِمِصْرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ، وَمَنْ بِالْعِرَاقِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْمَنِ؛ وَمَنْ بِالْيَمَنِ قُبَالَتَهُ مِمَّا يَلِي جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ، وَمَنْ بِالشَّامِ وَرَاءَهُ بَحْرٌ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقِيلَ يَنْحَرِفُ بِدِمَشْقَ وَمَا قَارَبَهَا إلَى الشَّرْقِ قَلِيلًا. اهـ. وَذَكَرَ الشُّرَّاحُ لِلْقِبْلَةِ عَلَامَاتٍ أُخَرَ غَالِبُهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى سَمْتِ بِلَادِهِمْ، مِنْهَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ شَرْحِ زَادِ الْفَقِيرِ وَالْمُنْيَةِ فَإِنَّهَا عَلَامَةٌ لِقِبْلَةِ سَمَرْقَنْدَ وَمَا كَانَ عَلَى سَمْتِهَا. وَفِي حَاشِيَةِ الْفَتَّالِ قَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِبْلَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِقَاعِ؛ وَمَا ذَكَرُوهُ يَصِحُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَأَمْرُ الْقِبْلَةِ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِقَوَاعِدِ الْهَنْدَسَةِ وَالْحِسَابِ، بِأَنْ يُعْرَفَ بُعْدُ مَكَّةَ عَنْ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ وَعَنْ طَرَفِ الْمَغْرِبِ ثُمَّ بُعْدُ الْبَلَدِ الْمَفْرُوضِ كَذَلِكَ ثُمَّ يُقَاسُ بِتِلْكَ الْقَوَاعِدِ لِيَتَحَقَّقَ سَمْتُ الْقِبْلَةِ اهـ لَكِنْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَمِنْهُمْ مَنْ بَنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْعُلُومِ الْحُكْمِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْعَلَّامَةَ الْبُخَارِيَّ قَالَ فِي الْكَشْفِ إنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يَعْتَبِرُوهُ. اهـ. وَأَفَادَ فِي النَّهْرِ أَنَّ دَلَائِلَ النُّجُومِ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ قَوْمٍ وَعِنْدَ آخَرِينَ لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ قَالَ: وَعَلَيْهِ إطْلَاقُ عَامَّةِ الْمُتُونِ. اهـ. أَقُول: لَمْ أَرَ فِي الْمُتُونِ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهَا، وَلَنَا تَعَلُّمُ مَا نَهْتَدِي بِهِ عَلَى الْقِبْلَةِ مِنْ النُّجُومِ. وَقَالَ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute