للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَطَحَنَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَعَجَنَهُ أَبُو يُوسُفَ وَخَبَزَهُ مُحَمَّدٌ، فَسَائِرُ النَّاسِ يَأْكُلُونَ مِنْ خُبْزِهِ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:

الْفِقْهُ زَرْعُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةُ ... حَصَادُهُ ثُمَّ إبْرَاهِيمُ دَوَّاسُ

نُعْمَانُ طَاحِنُهُ يَعْقُوبُ عَاجِنُهُ ... مُحَمَّدٌ خَابِزٌ وَالْآكِلُ النَّاسُ

وَقَدْ ظَهَرَ عِلْمُهُ بِتَصَانِيفِهِ كَالْجَامِعَيْنِ وَالْمَبْسُوطِ وَالزِّيَادَاتِ وَالنَّوَادِرِ، حَتَّى قِيلَ إنَّهُ صَنَّفَ فِي الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ كِتَابًا. وَمِنْ تَلَامِذَتِهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَتَزَوَّجَ بِأُمِّ الشَّافِعِيِّ وَفَوَّضَ إلَيْهِ كُتُبَهُ وَمَالَهُ

ــ

[رد المحتار]

صَلَاةً إلَّا اسْتَغْفَرْت لَهُ مَعَ وَالِدَيَّ مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ.

(قَوْلُهُ: وَطَحَنَهُ) أَيْ أَكْثَرَ أُصُولَهُ وَفَرَّعَ فُرُوعَهُ وَأَوْضَحَ سُبُلَهُ إمَامُ الْأَئِمَّةِ وَسِرَاجُ الْأُمَّةِ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ دَوَّنَ الْفِقْهَ وَرَتَّبَهُ أَبْوَابًا وَكُتُبًا عَلَى نَحْوِ مَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ، وَتَبِعَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، وَمَنْ كَانَ قَبْلَهُ إنَّمَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَى حِفْظِهِمَا. وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ كِتَابَ الْفَرَائِضِ وَكِتَابَ الشُّرُوطِ، كَذَا فِي الْخَيْرَاتِ الْحِسَانِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ لِلْعَلَّامَةِ ابْنِ حَجَرٍ

(قَوْلُهُ: وَعَجَنَهُ) أَيْ دَقَّقَ النَّظَرَ فِي قَوَاعِدِ الْإِمَامِ وَأُصُولِهِ وَاجْتَهَدَ فِي زِيَادَةِ اسْتِنْبَاطِ الْفُرُوعِ مِنْهَا، وَالْأَحْكَامِ تِلْمِيذُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَاضِي الْقُضَاةِ، فَإِنَّهُ كَمَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ أَوَّلُ مَنْ وَضَعَ الْكُتُبَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَمْلَى الْمَسَائِلَ وَنَشَرَهَا وَبَثَّ عِلْمَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَهُوَ أَفْقَهُ أَهْلِ عَصْرِهِ، وَلَمْ يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ فِي زَمَانِهِ، وَكَانَ النِّهَايَةَ فِي الْعِلْمِ وَالْحُكْمِ وَالرِّيَاسَةِ. وُلِدَ سَنَةَ (١١٣) وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ سَنَةَ (١٨٢) .

(قَوْلُهُ: وَخَبَزَهُ) أَيْ زَادَ فِي اسْتِنْبَاطِ الْفُرُوعِ وَتَنْقِيحِهَا وَتَهْذِيبِهَا وَتَحْرِيرِهَا بِحَيْثُ لَمْ تَحْتَجْ إلَى شَيْءٍ آخَرَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ تِلْمِيذُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مُحَرِّرِ الْمَذْهَبِ النُّعْمَانِيِّ، الْمُجْمَعِ عَلَى فَقَاهَتِهِ وَنَبَاهَتِهِ.

رُوِيَ أَنَّهُ سَأَلَ رَجُلٌ الْمُزَنِيّ عَنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي أَبِي حَنِيفَةَ؟ فَقَالَ: سَيِّدُهُمْ، قَالَ: فَأَبُو يُوسُفَ؟ قَالَ: أَتْبَعُهُمْ لِلْحَدِيثِ، قَالَ: فَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ تَفْرِيعًا قَالَ: فَزُفَرُ؟ قَالَ أَحَدُّهُمْ قِيَاسًا، وُلِدَ سَنَةَ (١٣٢) وَتُوُفِّيَ بِالرَّيِّ سَنَةَ (١٨٩) .

(قَوْلُهُ: مِنْ خُبْزِهِ) بِالضَّمِّ أَيْ خُبْزِ مُحَمَّدٍ الَّذِي خَبَزَهُ مِنْ عَجِينِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ طَحِينِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلِذَا رَوَى الْخَطِيبُ عَنْ الرَّبِيعِ قَالَ: سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: النَّاسُ عِيَالٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفِقْهِ. كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ مِمَّنْ وُفِّقَ لَهُ الْفِقْهُ.

(قَوْلُهُ: فَقَالَ) أَيْ مِنْ بَحْرِ الْبَسِيطِ، وَتَرْتِيبُ هَذَا النَّظَرِ بِخِلَافِ التَّرْتِيبِ قَبْلَهُ وَسَقَطَ مِنْهُ حَمَّادٌ.

(قَوْلُهُ: عِلْمُهُ) أَيْ مُحَمَّدٍ.

(قَوْلُهُ: كَالْجَامِعَيْنِ) الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. وَقَدْ أُلِّفَتْ فِي الْمَذْهَبِ تَآلِيفُ سُمِّيَتْ بِالْجَامِعِ فَوْقَ مَا يَنُوفُ عَنْ أَرْبَعِينَ، وَكُلُّ تَأْلِيفٍ لِمُحَمَّدٍ وُصِفَ بِالصَّغِيرِ فَهُوَ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ، وَمَا وُصِفَ بِالْكَبِيرِ فَرِوَايَتُهُ عَنْ الْإِمَامِ بِلَا وَاسِطَةٍ ط.

(قَوْلُهُ: وَالنَّوَادِرِ) الْأَوْلَى إبْدَالُهَا بِالسِّيَرِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ الْخَمْسَةَ هِيَ كُتُبُ مُحَمَّدٍ الْمُسَمَّاةُ بِالْأَصْلِ وَظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا رُوِيَتْ عَنْهُ بِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ، فَهِيَ ثَابِتَةٌ عَنْهُ مُتَوَاتِرَةٌ أَوْ مَشْهُورَةٌ، وَفِيهَا الْمَسَائِلُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ، وَهُمْ أَبُو ح وَأَبُو س وم. وَأَمَّا النَّوَادِرُ فَهِيَ مَسَائِلُ مَرْوِيَّةٌ عَنْهُمْ فِي كُتُبٍ أُخَرَ لِمُحَمَّدٍ كالكيسانيات والهارونيات والجرجانيات وَالرُّقَيَّاتِ وَهِيَ دُونُ الْأُولَى، وَبَقِيَ قِسْمٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ مَسَائِلُ النَّوَازِلِ سُئِلَ عَنْهَا الْمَشَايِخُ الْمُجْتَهِدُونَ فِي الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا نَصًّا فَأَفْتَوْا فِيهَا تَخْرِيجًا، وَقَدْ نَظَمْت ذَلِكَ فَقُلْت:

وَكُتْبُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَتَتْ ... سِتًّا لِكُلِّ ثَابِتٍ عَنْهُمْ حَوَتْ

صَنَّفَهَا مُحَمَّدٌ الشَّيْبَانِيُّ ... حَرَّرَ فِيهَا الْمَذْهَبَ النُّعْمَانِيّ

الْجَامِعَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ ... وَالسِّيَرَ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ

ثُمَّ الزِّيَادَاتِ مَعَ الْمَبْسُوطِ ... تَوَاتَرَتْ بِالسَّنَدِ الْمَضْبُوطِ

كَذَا لَهُ مَسَائِلُ النَّوَادِرِ ... إسْنَادُهَا فِي الْكُتْبِ غَيْرُ ظَاهِرٍ

وَبَعْدَهَا مَسَائِلُ النَّوَازِلِ ... خَرَّجَهَا الْأَشْيَاخُ بِالدَّلَائِلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>