(وَوَضَعَ) الرَّجُلُ (يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ آخِذًا رُسْغَهَا بِخِنْصَرِهِ وَإِبْهَامِهِ) هُوَ الْمُخْتَارُ، وَتَضَعُ الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ تَحْتَ ثَدْيِهَا (كَمَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ) بِلَا إرْسَالٍ فِي الْأَصَحِّ (وَهُوَ سُنَّةُ قِيَامٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْقَاعِدَ لَا يَضَعُ وَلَمْ أَرَهُ. ثُمَّ رَأَيْت فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ: الْمُرَادُ مِنْ الْقِيَامِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ لِأَنَّ الْقَاعِدَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ آخِذًا رُسْغَهَا) أَيْ مَفْصِلَهَا وَهُوَ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَوْ بِضَمَّتَيْنِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ بِخِنْصَرِهِ وَإِبْهَامِهِ) أَيْ يُحَلِّقُ الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ عَلَى الرُّسْغِ وَيَبْسُطُ الْأَصَابِعَ الثَّلَاثَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَنَحْوِهِ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَالْمِعْرَاجِ وَالْكِفَايَةِ وَالْفَتْحِ وَالسِّرَاجِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَيُحَلِّقُ إبْهَامَهُ وَخِنْصَرَهُ وَبِنْصِرَه وَيَضَعُ الْوُسْطَى وَالْمُسَبِّحَةَ عَلَى مِعْصَمِهِ، وَتَبِعَهُ فِي الْحِلْيَةِ، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْمُجْتَبَى (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ، وَهَذَا اسْتَحْسَنَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لِيَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ الْأَخْذِ وَالْوَضْعِ الْمَرْوِيَّيْنِ فِي الْأَحَادِيثِ وَعَمَلًا بِالْمَذْهَبِ احْتِيَاطًا كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَغَيْرِهِ. قَالَ سَيِّدِي عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي شَرْحِ هَدِيَّةِ ابْنِ الْعِمَادِ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالْوَضْعِ يُرِيدُ وَضْعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَائِلَ بِالْأَخْذِ يُرِيدُ أَخْذَ الْجَمِيعِ، فَأَخْذُ الْبَعْضِ وَوَضْعُ الْبَعْضِ لَيْسَ أَخْذًا وَلَا وَضْعًا، بَلْ الْمُخْتَارُ عِنْدِي وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُوَافِقَةً لِلسُّنَّةِ. اهـ.
قُلْت: وَهَذَا الْبَحْثُ مَنْقُولٌ؛ فَفِي الْمِعْرَاجِ بَعْدَ نَقْلِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالْمَبْسُوطِ وَالظَّهِيرِيَّةِ: وَقِيلَ هَذَا خَارِجٌ عَنْ الْمَذَاهِبِ وَالْأَحَادِيثِ فَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الشُّرُنْبُلَالِيُّ ذَكَرَ فِي الْإِمْدَادِ هَذَا الِاعْتِرَاضَ، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ بِصِفَةِ أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ فِي وَقْتٍ وَبِصِفَةِ الْآخَرِ فِي غَيْرِهِ لِيَكُونَ جَامِعًا بَيْنَ الْمَرْوِيَّيْنِ حَقِيقَةً. اهـ. أَقُولُ: يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ عَمِلَ بِأَحَدِهِمَا يَكُونُ تَارِكًا فِيهِ الْعَمَلَ بِالْآخَرِ وَالْوَارِدُ فِي الْأَحَادِيثِ ذُكِرَ فِي بَعْضِهَا الْوَضْعُ وَفِي بَعْضِهَا الْأَخْذُ بِلَا بَيَانِ الْكَيْفِيَّةِ. وَاَلَّذِي اسْتَحْسَنَهُ الْمَشَايِخُ فِيهِ الْعَمَلَ بِهِمَا جَمِيعًا؛ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ فِي الْأَخْذِ وَضْعًا وَزِيَادَةً. وَالْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ ظَاهِرًا لَا يُعْدَلُ عَنْ أَحَدِهِمَا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ) عَزَاهُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ إلَى الْغَزْنَوِيَّةِ (قَوْلُهُ تَحْتَ ثَدْيِهَا) كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُنْيَةِ، وَفِي بَعْضِهَا عَلَى ثَدْيِهَا. قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ عَلَى صَدْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ لَا عَلَى ثَدْيِهَا وَإِنْ كَانَ الْوَضْعُ عَلَى الصَّدْرِ قَدْ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقَعَ بَعْضُ سَاعِدِ كُلِّ يَدٍ عَلَى الثَّدْيِ، لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْإِفَادَةِ (قَوْلُهُ كَمَا فَرَغَ) هَذِهِ كَافُ الْمُبَادَرَةِ تَتَّصِلُ بِمَا نَحْوُ: سَلِّمْ كَمَا تَدْخُلُ، نَقَلَهَا فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ.
(قَوْلُهُ بِلَا إرْسَالٍ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ: وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ أَنَّهُ يُرْسِلُهُمَا حَالَةَ الثَّنَاءِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ يَضَعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَضْعَ سُنَّةُ الْقِيَامِ الَّذِي لَهُ قَرَارٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَسُنَّةُ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ فِي مَجْمَعِ الْأَنْهُرِ) وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي، كَمَا نَقَلَهُ فِي حَاشِيَةِ الْمَدَنِيِّ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ (قَوْلُهُ مَا هُوَ الْأَعَمُّ) أَيْ مِنْ الْقِيَامِ الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ، فَإِنَّ الْقُعُودَ فِي النَّافِلَةِ وَفِي الْفَرِيضَةِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا لِعُذْرٍ كَالْقِيَامِ ط: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ خَلَفٌ عَنْ الْقِيَامِ رَحْمَتِيٌّ
(قَوْلُهُ قَرَارٌ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّهُ جَعَلَ فِي الْبَدَائِعِ الْأَصْلَ عَلَى قَوْلِهِمَا الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْوَضْعَ سُنَّةُ قِيَامٍ لَهُ قَرَارٌ كَمَا مَرَّ. وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الْأَصْلَ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّهُ سُنَّةُ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَلْوَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَفِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ جَمَعَ فِي الْبَحْرِ بَيْنَ الْأَصْلَيْنِ فَجَعَلَهُمَا أَصْلًا وَاحِدًا، وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّ صَاحِبَ الْحِلْيَةِ نَقَلَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِهِمَا يُرْسِلُ فِي قَوْمَةِ الرُّكُوعِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يَضَعُ، ثُمَّ وَفَّقَ بِأَنَّ مَنْشَأَ ذَلِكَ اخْتِلَافُ الْأَصْلَيْنِ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْقَوْمَةِ ذِكْرًا مَسْنُونًا وَهُوَ التَّسْمِيعُ أَوْ التَّحْمِيدُ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ فِي الْمُلْتَقَطِ. اهـ.
فَهَذَا كَمَا تَرَى يَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا، وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ السِّرَاجِ الْآتِي كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَلِهَذَا أَيْضًا لَمَّا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُرْسِلُ فِي الْقَوْمَةِ اعْتَرَضَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا قِيلَ بِأَنَّ التَّحْمِيدَ وَالتَّسْمِيعَ لَيْسَ سُنَّةً فِيهَا، بَلْ فِي الِانْتِقَالِ إلَيْهَا، لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute