مُقَدِّمًا أَنْفَهُ لِمَا مَرَّ (بَيْنَ كَفَّيْهِ) اعْتِبَارًا لِآخِرِ الرَّكْعَةِ بِأَوَّلِهَا ضَامًّا أَصَابِعَ يَدَيْهِ لِتَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ (وَيَعْكِسُ نُهُوضَهُ وَسَجَدَ بِأَنْفِهِ) أَيْ عَلَى مَا صَلُبَ مِنْهُ (وَجَبْهَتِهِ) حَدُّهَا طُولًا مِنْ الصُّدْغِ إلَى الصُّدْغِ، وَعَرْضًا مِنْ أَسْفَلِ الْحَاجِبَيْنِ إلَى الْقِحْفِ؛ وَوَضْعُ أَكْثَرِهَا وَاجِبٌ.
وَقِيلَ فَرْضٌ كَبَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ. (وَكُرِهَ اقْتِصَارُهُ) فِي السُّجُودِ (عَلَى أَحَدِهِمَا) وَمَنَعَا الِاكْتِفَاءَ بِالْأَنْفِ بِلَا عُذْرٍ وَإِلَيْهِ صَحَّ رُجُوعُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى
ــ
[رد المحتار]
الْأَقْوَالِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْكَمَالِ، وَيَضَعُ الْيُمْنَى مِنْهُمَا أَوَّلًا ثُمَّ الْيُسْرَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الْخَزَائِنِ وَاضِعًا رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ إلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْهِ لِأَجْلِ خُفٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَيَبْدَأُ بِالْيَدَيْنِ وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ والتتارخانية وَالْمِعْرَاجِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ تَقْدِيمَ الْيُمْنَى إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْعُذْرِ الدَّاعِي إلَى وَضْعِ الْيَدَيْنِ أَوَّلًا، وَإِنَّهُ لَا تَيَامُنَ فِي وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِعُسْرِ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ مُقَدِّمًا أَنْفَهُ) أَيْ عَلَى جَبْهَتِهِ، وَقَوْلُهُ لِمَا مَرَّ: أَيْ لِقُرْبِهِ مِنْ الْأَرْضِ، وَمَا ذَكَرَهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْبَحْرِ، لَكِنْ فِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْهَا أَيْ السُّنَنُ أَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ ثُمَّ أَنْفَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْفُهُ ثُمَّ جَبْهَتُهُ. اهـ. وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْمِعْرَاجِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَمُقْتَضَاهُ اعْتِمَادُ تَقْدِيمِ الْجَبْهَةِ وَأَنَّ الْعَكْسَ قَوْلُ الْبَعْضِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ) أَيْ بِحَيْثُ يَكُونُ إبْهَامَاهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ. وَالْأَوَّلُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ. وَالثَّانِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ. وَاخْتَارَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ سُنِّيَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَعَلَ كُلًّا أَحْيَانًا قَالَ: إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْمُجَافَاةِ الْمَسْنُونَةِ. اهـ. وَأَقَرَّهُ شُرَّاحُ الْمُنْيَةِ وَالشُّرُنْبُلالي (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا لِآخِرِ الرَّكْعَةِ بِأَوَّلِهَا) فَكَمَا يَجْعَلُ رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ فَكَذَا عِنْدَ السُّجُودِ سِرَاجٌ عَنْ الْمَبْسُوطِ، وَبَاقِي الرَّكَعَاتِ مُلْحَقَةٌ بِأُولَاهَا الَّتِي فِيهَا التَّحْرِيمَةُ (قَوْلُهُ ضَامًّا أَصَابِعَ يَدَيْهِ) أَيْ مُلْصِقًا جَنَبَاتِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ قُهُسْتَانِيٌّ وَغَيْرُهُ، وَلَا يُنْدَبُ الضَّمُّ إلَّا هُنَا وَلَا التَّفْرِيجُ إلَّا فِي الرُّكُوعِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ لِتَتَوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ) فَإِنَّهُ لَوْ فَرَّجَهَا يَبْقَى الْإِبْهَامُ وَالْخِنْصَرُ غَيْرَ مُتَوَجِّهَيْنِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ عَزَاهُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ إلَى الشُّمُنِّيِّ وَغَيْرِهِ.
قَالَ: وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّ فِي السُّجُودِ تُنَزَّلُ الرَّحْمَةُ وَبِالضَّمِّ يَنَالُ أَكْثَرَ (قَوْلُهُ وَيَعْكِسُ نُهُوضَهُ) أَيْ يَرْفَعُ فِي النُّهُوضِ مِنْ السَّجْدَةِ وَجْهَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ وَهَلْ يَرْفَعُ الْأَنْفَ قَبْلَ الْجَبْهَةِ: أَيْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَضَعُهُ قَبْلَهَا قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: لَمْ أَقِفْ عَلَى صَرِيحٍ فِيهِ (قَوْلُهُ أَيْ عَلَى مَا صَلُبَ مِنْهُ) وَأَمَّا مَا لَانَ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِهِمْ بَحْرٌ (قَوْلُهُ حَدُّهَا طُولًا إلَخْ) الصُّدْغُ: بِضَمِّ الصَّادِ مَا بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَالْقِحْفُ: بِالْكَسْرِ الْعَظْمُ فَوْقَ الدِّمَاغِ قَامُوسٌ، وَهَذَا الْحَدُّ عَزَاهُ فِي هَامِشِ الْخَزَائِنِ إلَى شَرْحِ الْمُنْيَةِ عَنْ التَّجْنِيسِ، ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ هِيَ مَا اكْتَنَفَهُ الْجَبِينَانِ، وَقِيلَ هِيَ مَا فَوْقَ الْحَاجِبَيْنِ إلَى قُصَاصِ الشَّعْرِ وَهَذَا أَوْضَحُ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَوَضْعُ أَكْثَرِهَا وَاجِبٌ إلَخْ) اُخْتُلِفَ هَلْ الْفَرْضُ وَضْعُ أَكْثَرِ الْجَبْهَةِ أَمْ بَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ؟ قَوْلَانِ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي، نَعَمْ وَضْعُ أَكْثَرِ الْجَبْهَةِ وَاجِبٌ لِلْمُوَاظَبَةِ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ. وَفِي الْمِعْرَاجِ: وَضْعُ جَمِيعِ أَطْرَافِ الْجَبْهَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ إجْمَاعًا، فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْجَبْهَةِ جَازَ وَإِنْ قَلَّ، كَذَا ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ خَزَائِنُ (قَوْلُهُ كَبَعْضِهَا وَإِنْ قَلَّ) لَمَّا كَانَ وَضْعُ مَا دُونَ الْأَكْثَرِ مُتَّفِقًا عَلَى فَرْضِيَّتِهِ جَعَلَهُ مُشَبَّهًا بِهِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْقِيلِ أَلْحَقَ الْأَكْثَرَ بِمَا دُونَهُ فِي الْفَرْضِيَّةِ (قَوْلُهُ كَمَا حَرَّرْنَاهُ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى) حَيْثُ قَالَ وَإِلَيْهِ صَحَّ رُجُوعُ الْإِمَامِ كَمَا فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ عَنْ الْبُرْهَانِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمَجْمَعِ وَشُرُوحِهِ وَالْوِقَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَالْجَوْهَرَةِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَالْعَيْنِيِّ وَالْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهَا. اهـ.
وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ أَنَّ قَوْلَهُمَا رِوَايَةٌ عَنْهُ وَأَنَّ عَلَيْهَا الْفَتْوَى. هَذَا، وَقَدْ اسْتَشْكَلَهُ الْمُحَقِّقُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ يَلْزَمُ مِنْهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute