للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَحْرُمُ سُؤَالُ الْعَافِيَةِ مَدَى الدَّهْرِ، أَوْ خَيْرَ الدَّارَيْنِ وَدَفْعَ شَرِّهِمَا، أَوْ الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةِ كَنُزُولِ الْمَائِدَةِ، قِيلَ وَالشَّرْعِيَّةِ. وَالْحَقُّ حُرْمَةُ

ــ

[رد المحتار]

وَأُسْتَاذِهِ وَجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ. اهـ. قَالَ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَأُسْتَاذِي لَا يُفْسِدُ مَعَ أَنَّ الْأُسْتَاذَ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ، فَيُقْضَى عَدَمُ الْفَسَادِ فِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ

(قَوْلُهُ وَيَحْرُمُ سُؤَالُ الْعَافِيَةِ مَدَى الدَّهْرِ إلَى قَوْلِهِ وَالْحَقُّ) هُوَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ الْمَالِكِيِّ، نَقَلَهُ عَنْهُ فِي النَّهْرِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ اللَّقَانِيُّ فِي شَرْحِ جَوْهَرَةِ التَّوْحِيدِ فَقَالَ: الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمِ أَنْ يَسْأَلَ الْمُسْتَحِيلَاتِ الْعَادِيَّةِ وَلَيْسَ نَبِيًّا وَلَا وَلِيًّا فِي الْحَالِ: كَسُؤَالِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ التَّنَفُّسِ فِي الْهَوَاء لِيَأْمَنَ الِاخْتِنَاقَ، أَوْ الْعَافِيَةَ مِنْ الْمَرَضِ أَبَدَ الدَّهْرِ لِيَنْتَفِعَ بِقُوَاهُ وَحَوَاسِّهِ أَبَدًا. إذَا دَلَّتْ الْعَادَةُ عَلَى اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ، أَوْ وَلَدًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، أَوْ ثِمَارًا مِنْ غَيْرِ أَشْجَارٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَنَّهُ مُحَالٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُرَادَ الْخُصُوصُ بِغَيْرِ مَنَازِلِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَرَاتِبِ الْمَلَائِكَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَهُ بَعْضُ الشُّرُورِ وَلَوْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ وَوَحْشَةِ الْقَبْرِ، فَكُلُّهُ حَرَامٌ.

الثَّالِثُ أَنْ يَطْلُبَ نَفْيَ أَمْرٍ دَلَّ السَّمْعُ عَلَى نَفْيِهِ، كَقَوْلِهِ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: ٢٨٦] إلَخْ مَعَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَهِيَ مَرْفُوعَةٌ، فَيَكُونُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ سُوءُ أَدَبٍ، مِثْلُ: أَوْجِبْ عَلَيْنَا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْخَطَإِ الْعَمْدَ وَبِمَا لَا يُطَاقُ لِلرَّزَايَا وَالْمِحَنِ فَيَجُوزُ. اهـ. مُلَخَّصًا. قَالَ اللَّقَانِيُّ: وَرَدَّ هَذَا بَعْضُهُمْ بِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِمَا عَلِمْت السَّلَامَةَ مِنْهُ. اهـ. وَلِذَا قَالَ الشَّارِحُ: قِيلَ وَالشَّرْعِيَّةُ أَيْ لِأَنَّ أَحْسَنَ الدُّعَاءِ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَمِنْهُ {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: ٢٨٦] الْآيَةَ فَكَيْفَ يُنْهَى عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ الدُّعَاءُ بِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مَنْهِيًّا لَمَا سَاغَ الدُّعَاءُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا الدُّعَاءِ لَهُ بِالْوَسِيلَةِ، وَلَا بِقَوْلِ الْمُؤْمِنِ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦] وَلَا بِلَعْنِ الشَّيَاطِينِ وَالْكَافِرِينَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا فِيهِ إظْهَارُ الْعَجْزِ وَالْعُبُودِيَّةِ، أَوْ الرَّغْبَةِ بِحُبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ حُبِّ الدِّينِ، أَوْ النُّفْرَةِ عَنْ فِعْلِ الْكَافِرِينَ وَنَحْوِهِمْ؛ بِخِلَافِ قَوْلِ الرَّجُلِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي رَجُلًا وَنَحْوَهُ مِمَّا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، أَوْ مَا فِيهِ تَحَكُّمٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَطَلَبِ مَا لَيْسَ أَهْلًا لِنَيْلِهِ، أَوْ مَا كَانَ مُسْتَحِيلًا فَإِنَّهُ مِنْ الِاعْتِدَاءِ فِي الدُّعَاءِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: ٥٥] .

وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ إذَا دَخَلْتهَا، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ سَلْ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنْ النَّارِ، فَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ» . مَطْلَبٌ فِي الدُّعَاءِ الْمُحَرَّمِ (قَوْلُهُ وَالْحَقُّ إلَخْ) رَدٌّ عَلَى الْإِمَامِ الْقَرَافِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ حَيْثُ قَالَ: إنَّ الدُّعَاءَ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْكَافِرِ كُفْرٌ لِطَلَبِهِ تَكْذِيبَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ وَإِنَّ الدُّعَاءَ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَغْفِرَةِ جَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ حَرَامٌ لِأَنَّ فِيهِ تَكْذِيبًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْذِيبِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّارِ بِذُنُوبِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ مِنْهَا بِشَفَاعَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا، وَلَيْسَ بِكُفْرٍ لِلْفَرْقِ بَيْنَ تَكْذِيبِ خَبَرِ الْآحَادِ وَالْقَطْعِيِّ، وَوَافَقَهُ عَلَى الْأَوَّلِ صَاحِبُ الْحِلْيَةِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ، وَخَالَفَهُ فِي الثَّانِي وَحُقِّقَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَسْأَلَةٍ شَهِيرَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ الْخُلْفُ فِي الْوَعِيدِ؟ فَظَاهِرُ مَا فِي الْمَوَاقِفِ وَالْمَقَاصِدِ أَنَّ الْأَشَاعِرَةَ قَائِلُونَ بِجَوَازِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ نَقْصًا بَلْ جُودًا وَكَرَمًا. وَصَرَّحَ التَّفْتَازَانِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ، وَصَرَّحَ النَّسَفِيُّ بِأَنَّهُ الصَّحِيحُ لِاسْتِحَالَتِهِ عَلَيْهِ تَعَالَى، لِقَوْلِهِ {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق: ٢٨] {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: ٢٩]

<<  <  ج: ص:  >  >>