وَقَوْلُ عُمَرَ: لَوْلَا الْخِلَافَةُ لَأَذَّنْت أَيْ مَعَ الْإِمَامَةِ، إذْ الْجَمْعُ أَفْضَلُ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَخَاف إنْ تَرَكْت الْفَاتِحَةَ أَنْ يُعَاتِبَنِي الشَّافِعِيُّ أَوْ قَرَأْتهَا يُعَاتِبُنِي أَبُو حَنِيفَةَ فَاخْتَرْت الْإِمَامَةَ.
(وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلرِّجَالِ) قَالَ الزَّاهِدِي: أَرَادُوا بِالتَّأْكِيدِ الْوُجُوبَ إلَّا فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ فَشَرْطٌ. وَفِي التَّرَاوِيحِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ، وَفِي وِتْرِ رَمَضَانَ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى قَوْلٍ. وَفِي وِتْرِ غَيْرِهِ وَتَطَوُّعٍ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي مَكْرُوهَةٌ، وَسَنُحَقِّقُهُ. وَيُكْرَهُ تَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ لَا فِي مَسْجِدِ طَرِيقٍ أَوْ مَسْجِدٍ لَا إمَامَ لَهُ وَلَا مُؤَذِّنَ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلَيْنِ مُصَحَّحَيْنِ: الْأَوَّلُ كَقَوْلِنَا، وَالثَّانِي عَكْسُهُ (قَوْلُهُ وَقَوْلُ عُمَرَ إلَخْ) أَيْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْأَذَانِ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، لَكِنْ اشْتِغَالُ الْخَلِيفَةِ بِأُمُورِ الْعَامَّةِ يَمْنَعُهُ عَنْ مُرَاقَبَةِ الْأَوْقَاتِ فَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الْإِمَامَةِ (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَخْ) ذَكَرَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ كُنْت أَخْتَارُهَا لِهَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَى هَذَا النَّقْلِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهَا أَفْصِلُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ
(قَوْلُهُ قَالَ الزَّاهِدِيُّ إلَخْ) تَوْفِيقٌ بَيْنَ الْقَوْلِ بِالسُّنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ الْآتِي، وَبَيَانٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا وَاحِدٌ أَخْذًا مِنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ بِالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ. وَفِي النَّهْرِ عَنْ الْمُفِيدِ: الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ، وَسُنَّةٌ لِوُجُوبِهَا بِالسُّنَّةِ اهـ وَهَذَا كَجَوَابِهِمْ عَنْ رِوَايَةِ سُنِّيَّةِ الْوِتْرِ بِأَنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ قَالَ فِي النَّهْرِ: إلَّا أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ تَرْكَهَا مَرَّةً بِلَا عُذْرٍ يُوجِبُ إثْمًا مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ. والْخرَاسانِيُّون نَ عَلَى أَنَّهُ يَأْثَمُ إذَا اعْتَادَ التَّرْكَ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ. اهـ.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَالْأَحْكَامُ تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، مِنْ أَنَّ تَارِكَهَا بِلَا عُذْرٍ يُعَزَّرُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَيَأْثَمُ الْجِيرَانُ بِالسُّكُوتِ عَنْهُ، وَقَدْ يُوَفَّقُ بِأَنَّ ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى التَّرْكِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ» وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ «يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ» كَمَا يُعْطِيهِ ظَاهِرُ إسْنَادِ الْمُضَارِعِ نَحْوُ بَنُو فُلَانٍ يَأْكُلُونَ الْبُرَّ: أَيْ عَادَتُهُمْ، فَالْوَاجِبُ الْحُضُورُ أَحْيَانًا، وَالسُّنَّةُ الْمُؤَكَّدَةُ الَّتِي تَقْرُبُ مِنْهُ الْمُوَاظَبَةُ. اهـ. وَيَرِدُ عَلَيْهِ مَا مَرَّ عَنْ النَّهْرِ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا مَرَّةً مَبْنِيًّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ عِنْدَ بَعْضِ مَشَايِخِنَا كَمَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ، أَوْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَالْكَرْخِيِّ وَجَمَاعَةٍ، فَإِذَا تَرَكَهَا الْكُلُّ مَرَّةً بِلَا عُذْرٍ أَثِمُوا فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ فَشُرِطَ) بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الْعِيدِ؛ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا فَتُسَنُّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا كَمَا فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ؛ ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الصِّحَّةِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ اهـ أَيْ شَرْطٌ لِصِحَّةِ وُقُوعِهَا وَاجِبَةً أَوْ سُنَّةً فَافْهَمْ (قَوْلُهُ سُنَّةُ كِفَايَةٍ) أَيْ عَلَى كُلِّ أَهْلِ مَحَلَّةٍ، لِمَا فِي مُنْيَةِ الْمُصَلِّي مِنْ بَحْثِ التَّرَاوِيحِ، مِنْ أَنَّ إقَامَتَهَا بِالْجَمَاعَةِ سُنَّةٌ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ حَتَّى لَوْ تَرَكَ أَهْلُ مَحَلَّةٍ، كُلُّهُمْ الْجَمَاعَةَ فَقَدْ تَرَكُوا السُّنَّةَ وَأَسَاءُوا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ تَخَلَّفَ مِنْ أَفْرَادِ النَّاسِ وَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَقَدْ تَرَكَ الْفَضِيلَةَ اهـ (قَوْلُهُ عَلَى قَوْلٍ) وَغَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ عَلَى قَوْلٍ آخَرَ بَلْ يُصَلِّيهَا وَحْدَهُ فِي بَيْتِهِ، وَهُمَا قَوْلَانِ مُصَحَّحَانِ وَسَيَأْتِي قَبِيلَ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ تَرْجِيحُ الثَّانِي بِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ (قَوْلُهُ وَفِي وِتْرِ غَيْرِهِ إلَخْ) كَرَاهَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ، وَذَكَرَ فِي غَيْرِهِ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ، وَوَفَّقَ فِي الْحِلْيَةِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ وَالثَّانِي عَلَى الْفِعْلِ أَحْيَانًا، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاعِي) بِأَنْ يَقْتَدِيَ أَرْبَعَةٌ فَأَكْثَرُ بِوَاحِدٍ (قَوْلُهُ وَسَنُحَقِّقُهُ) أَيْ قَبِيلَ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ. [تَتِمَّةٌ]
قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ كَرَاهَتُهَا. وَفِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ: وَقِيلَ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ. اهـ. مَطْلَبٌ فِي تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ
(قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ) أَيْ تَحْرِيمًا لِقَوْلِ الْكَافِي لَا يَجُوزُ وَالْمَجْمَعُ لَا يُبَاحُ وَشَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إنَّهُ بِدْعَةٌ كَمَا فِي رِسَالَةِ السِّنْدِيِّ (قَوْلُهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ إلَخْ) عِبَارَتُهُ فِي الْخَزَائِنِ: أَجْمَعُ مِمَّا هُنَا وَنَصُّهَا: يُكْرَهُ تَكْرَارُ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute