للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنْ فِي وِتْرِ الْبَحْرِ إنْ تَيَقَّنَ الْمُرَاعَاةَ لَمْ يُكْرَهْ، أَوْ عَدَمَهَا لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ شَكَّ كُرِهَ

(وَ)

ــ

[رد المحتار]

الِاسْتِئْجَارِ عَلَى التِّلَاوَةِ الْمُجَرَّدَةِ وَبَقِيَّةِ الطَّاعَاتِ مِمَّا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَصْلًا كَمَا سَنُحَقِّقُهُ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي وِتْرِ الْبَحْرِ إلَخْ) هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، لِأَنَّ الْمُحَقِّقِينَ جَنَحُوا إلَيْهِ، وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ شَاهِدَةٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ: إنْ كَانَ عَادَتُهُ مُرَاعَاةَ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، ذَكَرَهُ السِّنْدِيُّ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ ح.

قُلْت: وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ لِرَأْيِ الْمُقْتَدِي وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَقِيلَ لِرَأْيِ الْإِمَامِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَهُوَ أَقْيَسُ وَعَلَيْهِ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْتَاطُ كَمَا يَأْتِي فِي الْوِتْرِ (قَوْلُهُ إنْ تَيَقَّنَ الْمُرَاعَاةَ لَمْ يُكْرَهْ إلَخْ) أَيْ الْمُرَاعَاةُ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ شُرُوطٍ وَأَرْكَانٍ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يُرَاعِ الْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنَ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ كَلَامِ الْبَحْرِ. مَطْلَبٌ فِي الِاقْتِدَاءِ بِشَافِعِيٍّ وَنَحْوِهِ هَلْ يُكْرَهُ أَمْ لَا؟

وَظَاهِرُ كَلَامِ شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا الِاقْتِدَاءُ بِالْمُخَالِفِ فِي الْفُرُوعِ كَالشَّافِعِيِّ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَلَى اعْتِقَادِ الْمُقْتَدِي عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، إنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الْكَرَاهَةِ. اهـ فَقَيَّدَ بِالْمُفْسِدِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا تَرَى. وَفِي رِسَالَةِ [الِاهْتِدَاءِ فِي الِاقْتِدَاءِ] لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِئُ: ذَهَبَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا إلَى الْجَوَازِ إذَا كَانَ يُحْتَاطُ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ وَإِلَّا فَلَا.

وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْمُرَاعِي بِلَا كَرَاهَةٍ وَفِي غَيْرِهِ مَعَهَا. ثُمَّ الْمَوَاضِعُ الْمُهْمَلَةُ لِلْمُرَاعَاةِ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا فِيمَا هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا؛ كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الِانْتِقَالَاتِ، وَجَهْرِ الْبَسْمَلَةِ وَإِخْفَائِهَا، فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْخِلَافِ، فَكُلُّهُمْ يَتَّبِعُ مَذْهَبَهُ وَلَا يُمْنَعُ مَشْرَبَهُ اهـ.

وَفِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ: الَّذِي يَمِيلُ إلَيْهِ خَاطِرِي الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ، إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ مُفْسِدٌ. اهـ.

وَبَحَثَ الْمُحَشِّي أَنَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ رَاعَى فِي الْفُرُوضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالسُّنَنِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَهَا فِي الثَّلَاثَةِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِ شَيْئًا كُرِهَ لِأَنَّ بَعْضَ مَا يَجِبُ تَرْكُهُ عِنْدَنَا يُسَنُّ فِعْلُهُ عِنْدَهُ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَهَا فِي الْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ يَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ لِأَنَّهُ إذَا كُرِهَ عِنْدَ احْتِمَالِ تَرْكِ الْوَاجِبِ فَعِنْدَ تَحَقُّقِهِ بِالْأَوْلَى، وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَهَا فِي الثَّالِثِ فَقَطْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ وَاجِبَةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى تَرْكِهِ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ اهـ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْبِيرِيُّ فِي رِسَالَتِهِ، حَيْثُ ادَّعَى أَنَّ الِانْفِرَادَ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِهِ قَالَ: إذْ لَا رَيْبَ أَنَّهُ يَأْتِي فِي صَلَاتِهِ بِمَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ بِهِ عِنْدَنَا أَوْ تُسْتَحَبُّ، لَكِنْ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ غَيْرُهُ فِي رِسَالَةٍ أَيْضًا، وَقَدْ أَسْمَعْنَاك مَا يُؤَيِّدُ الرَّدَّ، نَعَمْ نَقَلَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ عَنْ الرَّمْلِيِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَشَى عَلَى كَرَاهَةِ الِاقْتِدَاءِ بِالْمُخَالِفِ حَيْثُ أَمْكَنَهُ غَيْرُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ، وَيَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ، وَبِهِ أَفْتَى الرَّمْلِيُّ الْكَبِيرُ، وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

قَالَ الشَّيْخُ خَيْرُ الدِّينِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا، وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُمْ عِلَّةٌ فِي الِاقْتِدَاءِ بِنَا صِحَّةً وَفَسَادًا وَأَفْضَلِيَّةً كَانَ لَنَا مِثْلُهُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ سَمِعْت مَا اعْتَمَدَهُ الرَّمْلِيُّ وَأَفْتَى بِهِ، وَالْفَقِيرُ أَقُولُ مِثْلَ قَوْلِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِاقْتِدَاءِ الْحَنَفِيِّ بِالشَّافِعِيِّ وَالْفَقِيهُ الْمُنْصِفُ يُسَلِّمُ ذَلِكَ:

وَأَنَا رَمْلِيُّ فِقْهُ الْحَنَفِيِّ ... لَا مِرَا بَعْدَ اتِّفَاقِ الْعَالِمَيْنِ

اهـ مُلَخَّصًا أَيْ لَا جِدَالَ بَعْدَ اتِّفَاقِ عَالِمَيْ الْمَذْهَبَيْنِ وَهُمَا رَمْلِيُّ الْحَنَفِيَّةِ يَعْنِي بِهِ نَفْسَهُ وَرَمْلِيُّ الشَّافِعِيَّةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، فَتَحَصَّلَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِالْمُخَالِفِ الْمُرَاعَى فِي الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ إذْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَإِلَّا فَالِاقْتِدَاءُ بِالْمُوَافِقِ أَفْضَلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>