للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَكْبِيرَهُ» ، وَبِهِ عُلِمَ جَوَازُ رَفْعِ الْمُؤَذِّنِينَ أَصْوَاتَهُمْ فِي جُمُعَةٍ وَغَيْرِهَا يَعْنِي أَصْلَ الرَّفْعِ، أَمَّا مَا تَعَارَفُوهُ فِي زَمَانِنَا فَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ مُفْسِدٌ، إذْ الصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ فَتْحٌ (وَقَائِمٍ بِأَحْدَبَ) وَإِنْ بَلَغَ حَدَبُهُ الرُّكُوعَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَكَذَا بِأَعْرَجَ

ــ

[رد المحتار]

الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَحَاشِيَةِ نُوحٍ وَغَيْرِهِمَا، وَالْغَرَضُ لَنَا مَعْرِفَةُ الْأَحْكَامِ. مَطْلَبٌ فِي رَفْعِ الْمُبَلِّغِ صَوْتَهُ زِيَادَةً عَلَى الْحَاجَةِ

(قَوْلُهُ إذْ الصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَهُ: وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا ارْتَفَعَ بُكَاؤُهُ لِمُصِيبَةٍ بَلَغَتْهُ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ لِإِظْهَارِهَا؛ وَلَوْ صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ: وَامُصِيبَتَاهُ فَسَدَ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهِ، وَهُنَا مَعْلُومٌ أَنَّ قَصْدَهُ إعْجَابُ النَّاسِ بِهِ، وَلَوْ قَالَ: اعْجَبُوا مِنْ حُسْنِ صَوْتِي وَتَحْرِيرِي فِيهِ أَفْسَدَ، وَحُصُولُ الْحُرُوفِ لَازِمٌ مِنْ التَّلْحِينِ اهـ مُلَخَّصًا، وَأَقَرَّهُ فِي النَّهْرِ. وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْحِلْيَةِ فَقَالَ: وَقَدْ أَجَادَ فِيمَا أَوْضَحَ وَأَفَادَ اهـ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَقَّبَهُ سِوَى السَّيِّدِ أَحْمَدَ الْحَمَوِيِّ فِي رِسَالَتِهِ [الْقَوْلُ الْبَلِيغُ فِي حُكْمِ التَّبْلِيغِ] بِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي السِّرَاجِ بِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا جَهَرَ فَوْقَ الْحَاجَةِ فَقَدْ أَسَاءَ اهـ وَالْإِسَاءَةُ دُونَ الْكَرَاهَةِ وَلَا تُوجِبُ الْإِفْسَادَ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْبُكَاءِ غَيْرُ ظَاهِرٍ، لِأَنَّ هَذَا ذُكِرَ بِصِيغَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ وَالْمُفْسِدُ لِلصَّلَاةِ الْمَلْفُوظُ لَا عَزِيمَةُ الْقَلْبِ. مَطْلَبٌ الْقِيَاسِ بَعْدَ عَصْرِ الْأَرْبَعِمِائَةِ مُنْقَطِعٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقِيسَ

عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ بَعْدَ الْأَرْبَعِمِائَةِ مُنْقَطِعٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهَا أَنْ يَقِيسَ مَسْأَلَةً عَلَى مَسْأَلَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي رَسَائِلِهِ. اهـ. أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْكَمَالَ لَمْ يَجْعَلْ الْفَسَادَ مَبْنِيًّا عَلَى مُجَرَّدِ الرَّفْعِ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ مَا فِي السِّرَاجِ، بَلْ بَنَاهُ عَلَى زِيَادَةِ الرَّفْعِ الْمُلْحَقِ بِالصِّيَاحِ، حَيْثُ قَالَ: فَإِنَّهُمْ يُبَالِغُونَ فِي الصِّيَاحِ زِيَادَةً عَلَى حَاجَةِ الْإِبْلَاغِ، وَالِاشْتِغَالُ بِتَحْرِيرَاتِ النَّغَمِ إظْهَارًا لِلصِّنَاعَةِ النَّغَمِيَّةِ لَا إقَامَةً لِلْعِبَادَةِ، وَالصِّيَاحُ مُلْحَقٌ بِالْكَلَامِ، وَقَوْلُهُ وَقِيَاسُهُ إلَخْ كَلَامٌ سَاقِطٌ، لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، حَيْثُ بَنَى عَلَيْهِ عَدَمَ الْفَسَادِ؛ فِيمَا لَوْ فَتَحَ الْمُصَلِّي عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ، أَوْ أَجَابَ الْمُؤَذِّنَ، أَوْ أُخْبِرَ بِمَا يُسِرُّهُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوْ بِمَا يُعْجِبُهُ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ عَلَى قَصْدِ الْجَوَابِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي فِي مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ.

وَالْمَذْهَبُ الْفَسَادُ فِي الْكُلِّ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ فِي الْأُولَى، وَفِيمَا بَقِيَ قَدْ أَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْجَوَابِ وَهُوَ يَحْتَمِلُهُ، فَإِنَّ مَنَاطَ كَوْنِهِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ عِنْدَهُمَا كَوْنُهُ لَفْظًا أُفِيدَ بِهِ مَعْنًى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ لَا كَوْنُهُ وُضِعَ لِإِفَادَةِ ذَلِكَ، وَكَوْنُهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِعَزِيمَتِهِ مَمْنُوعٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْجُنُبَ إذَا قَرَأَ عَلَى قَصْدِ الثَّنَاءِ جَازَ. وَقَدْ أَوْرَدُوا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَذْكُورَ أَشْيَاءَ، كَمَا لَوْ قَالَ - {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: ١٢]- لِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ، وَحَيْثُ كَانَ مَنَاطُ الْفَسَادِ عِنْدَهُمَا كَوْنَ اللَّفْظِ أُفِيدَ بِهِ مَعْنًى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ كَانَ ذَلِكَ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً يَنْدَرِجُ تَحْتَهَا أَفْرَادٌ جُزْئِيَّةٌ مِنْهَا مَسْأَلَتُنَا هَذِهِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الذِّكْرَ بَلْ بَالَغَ فِي الصِّيَاحِ لِأَجْلِ تَحَرُّرِ النَّغَمِ وَالْإِعْجَابِ بِذَلِكَ يَكُونُ قَدْ أَفَادَ بِهِ مَعْنًى لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَاسِ بَلْ هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُ الْمُجْتَهِدِ أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ دَلَالَةَ الْمُسَاوَاةِ. فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ وَمَنْ تَابَعَهُ مِنْ الْأَعْلَامِ كَمَا بَسَطْت ذَلِكَ قَدِيمًا فِي رِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا تَنْبِيهَ ذَوِي الْأَفْهَامِ عَلَى حُكْمِ التَّبْلِيغِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَافْهَمْ، وَقَدَّمْنَا مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةً بِالتَّبْلِيغِ أَيْضًا فِي أَوَّلِ بَحْثِ سُنَنِ الصَّلَاةِ فَرَاجِعْهَا (قَوْلُهُ وَقَائِمٍ بِأَحْدَبَ) الْقَائِمُ هُنَا أَيْضًا صَادِقٌ بِالرَّاكِعِ السَّاجِدِ وَبِالْمُومِي ح. وَفِيهِ عَنْ الْقَامُوسِ: وَالْحَدَبُ خُرُوجُ الظُّهْرِ وَدُخُولُ الصَّدْرِ وَالْبَطْنُ مِنْ بَابِ فَرِحَ. اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ) هُوَ قَوْلُهُمَا وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ. وَصَحَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَوْلَهُ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْقَاعِدِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>