وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْمُفْسِدِ الِاخْتِيَارُ؟ فِي الْخَبَّازِيَّةِ نَعَمْ. وَقَالَ الْحَلَبِيُّ: لَا، فَإِنَّ مَنْ دُفِعَ أَوْ جَذَبَتْهُ الدَّابَّةُ خُطُوَاتٍ أَوْ وُضِعَ عَلَيْهَا أَوْ أُخْرِجَ مِنْ مَكَانِ الصَّلَاةِ أَوْ مَصَّ ثَدْيَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَرَّةً وَنَزَلَ لَبَنُهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا بِدُونِهَا فَسَدَتْ لَا لَوْ قَبَّلَتْهُ وَلَمْ يَشْتَهِهَا: وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي تَقْبِيلِهِ مَعْنَى الْجِمَاعِ. -
مَعَهُ حَجَرٌ فَرَمَى بِهِ طَائِرًا لَمْ تَفْسُدْ، وَلَوْ إنْسَانًا تَفْسُدْ كَضَرْبٍ لَوْ مَرَّةً، لِأَنَّهُ مُخَاصَمَةٌ أَوْ تَأْدِيبٌ أَوْ مُلَاعَبَةٌ، وَهُوَ عَمَلٌ كَثِيرٌ ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ.
ــ
[رد المحتار]
أَوْ كَثُرَ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ الْفَسَادُ إذَا كَثُرَ، وَالْحَدِيثُ خَصَّ حَالَةَ الْعُذْرِ فَيُعْمَلُ بِالْقِيَاسِ فِي غَيْرِهَا. وَحَكَى عَنْ أُسْتَاذِهِ الْجَوَازَ فِيمَا إذَا مَشَى مُسْتَقْبِلًا وَكَانَ غَازِيًا، وَكَذَا الْخَارِجُ وَكُلُّ مُسَافِرٍ سَفَرُهُ عِبَادَةٌ. وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ أَوَّلُوا الْحَدِيثَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ، فَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ أَوْ مَوْضِعَ سُجُودِهِ وَإِلَّا فَسَدَتْ، وَقِيلَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَلَاحِقًا بَلْ خُطْوَةً ثُمَّ خُطْوَةً، فَلَوْ مُتَلَاحِقًا تَفْسُدُ إنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ، وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ إذَا مَشَى مِقْدَارَ مَا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، كَمَا قَالُوا فِيمَنْ رَأَى فُرْجَةً فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَمَشَى إلَيْهَا فَسَدَّهَا، فَإِنْ كَانَ هُوَ فِي الصَّفِّ الثَّانِي لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّفِّ الثَّالِثِ فَسَدَتْ اهـ مُلَخَّصًا. وَنَصَّ فِي الظَّهِيرِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ إذَا كَثُرَ تَفْسُدُ.
هَذَا، وَذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ أَيْضًا فِي فَصْلِ الْمَكْرُوهَاتِ أَنَّ الَّذِي تَقْتَضِيه الْقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِيَّةُ الْمُسْتَنِدَةُ إلَى الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَوَقَعَ بِهِ التَّصْرِيحُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ الْجُزْئِيَّةِ أَنَّ الْمَشْيَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِلَا عُذْرٍ أَوْ بِعُذْرٍ، فَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ كَثِيرًا مُتَوَالِيًا تَفْسُدُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ الْقِبْلَةَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا غَيْرَ مُتَوَالٍ بَلْ تَفَرَّقَ فِي رَكَعَاتٍ أَوْ كَانَ قَلِيلًا، فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِلْمُنَافِي بِلَا ضَرُورَةٍ وَإِلَّا فَلَا وَكُرِهَ، لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَا أَفْسَدَ كَثِيرُهُ كُرِهَ قَلِيلُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ. وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ، فَإِنْ كَانَ لِلطَّهَارَةِ عِنْدَ سَبْقِ الْحَدَثِ أَوْ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لَمْ يُفْسِدْهَا وَلَمْ يُكْرَهْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ اسْتَدْبَرَ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ، فَإِنْ اسْتَدْبَرَ مَعَهُ فَسَدَتْ قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَدْبِرْ، فَإِنْ قَلَّ لَمْ يَفْسُدْ وَلَمْ يُكْرَهْ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا مُتَلَاحِقًا أَفْسَدَ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَلَاحِقِ فَفِي كَوْنِهِ مُفْسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا خِلَافٌ وَتَأَمَّلْ اهـ مُلَخَّصًا. وَقَالَ فِي هَذَا الْبَابِ: وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْكَثِيرَ الْغَيْرَ الْمُتَلَاحِقِ غَيْرُ مُفْسِدٍ وَلَا مَكْرُوهٍ إذَا كَانَا لِعُذْرٍ مُطْلَقًا. اهـ.
(قَوْلُهُ وَقَالَ - الْحَلَبِيُّ لَا) الظَّاهِرُ اعْتِمَادُهُ لِلتَّفْرِيعِ عَلَيْهِ ط (قَوْلُهُ خُطُوَاتٍ) أَيْ وَمَشَى بِسَبَبِ الدَّفْعِ أَوْ الْجَذْبِ ثَلَاثَ خُطُوَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْلِكَ نَفْسَهُ. وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ: وَلَوْ جَذَبَتْهُ الدَّابَّةُ حَتَّى أَزَالَتْهُ عَنْ وَضْعِ سُجُودِهِ تَفْسُدُ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ وُضِعَ عَلَيْهَا) أَيْ حَمَلَهُ رَجُلٌ وَوَضَعَهُ عَلَى الدَّابَّةِ تَفْسُدُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِكَوْنِهِ عَمَلًا كَثِيرًا تَأَمَّلْ. وَأَمَّا لَوْ رَفَعَهُ عَنْ مَكَانِهِ ثُمَّ وَضَعَهُ أَوْ أَلْقَاهُ ثُمَّ قَامَ وَوَقَفَ مَكَانَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ الْقِبْلَةِ فَلَا تَفْسُدُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة (قَوْلُهُ أَوْ أُخْرِجَ مِنْ مَكَانِ الصَّلَاةِ) أَيْ مَعَ التَّحْوِيلِ عَنْ الْقِبْلَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ط. أَقُولُ: لَمْ أَرَ ذَلِكَ فِي الْبَحْرِ، وَأَيْضًا فَالتَّحْوِيلُ مُفْسِدٌ إذَا كَانَ قَدْرَ أَدَاءِ رُكْنٍ، وَلَوْ كَانَ فِي مَكَانِهِ فَالظَّاهِرُ الْإِطْلَاقُ وَأَنَّ الْعِلَّةَ اخْتِلَافُ الْمَكَانِ لَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا أَوْ كَوْنُهُ عَمَلًا كَثِيرًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ أَوْ مَصَّ ثَدْيَهَا ثَلَاثًا إلَخْ) هَذَا التَّفْصِيلُ مَذْكُورٌ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَفْسِيرِ الْكَثِيرِ بِمَا اشْتَمَلَ عَلَى الثَّلَاثِ الْمُتَوَالِيَاتِ، وَلَيْسَ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ. وَفِي الْمُحِيطِ: إنْ خَرَجَ اللَّبَنُ فَسَدَتْ لِأَنَّهُ يَكُونُ إرْضَاعًا وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِعَدَدٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْمِعْرَاجِ حِلْيَةٌ وَبَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَسَّهَا إلَخْ) حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ أَوْ مُسَّتْ أَوْ قُبِّلَتْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ كَنَظَائِرِهِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى دُفِعَ الْوَاقِعِ صِلَةً لِمَنْ. وَالْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ: لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي الصَّلَاةِ فَجَامَعَهَا زَوْجُهَا تَفْسُدُ صَلَاتُهَا وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ مَنِيٌّ، وَكَذَا لَوْ قَبَّلَهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَوْ مَسَّهَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ. أَمَّا لَوْ قَبَّلَتْ الْمَرْأَةُ الْمُصَلِّيَ وَلَمْ يَشْتَهِهَا لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ إلَخْ) قَدْ خَفِيَ وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ.
وَكَذَا عَلَى صَاحِبِ الْحِلْيَةِ وَالْبَحْرِ. وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ وَأَشَارَ فِي الْخُلَاصَةِ إلَى الْفَرْقِ بِأَنَّ تَقْبِيلَهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الْفَاعِلُ لِلْجِمَاعِ فَإِتْيَانُهُ بِدَوَاعِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute