للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رَسْمُ الْمُفْتِي أَنَّ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ يُفْتَى بِهِ قَطْعًا.

ــ

[رد المحتار]

مَطْلَبُ رَسْمِ الْمُفْتِي.

(قَوْلُهُ: رَسْمُ الْمُفْتِي) أَيْ الْعَلَامَةُ الَّتِي تَدُلُّ الْمُفْتِيَ عَلَى مَا يُفْتِي بِهِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ أَنَّ إلَخْ خَبَرُهُ. قَالَ فِي [فَتْحِ الْقَدِيرِ] : وَقَدْ اسْتَقَرَّ رَأْيُ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ، فَأَمَّا غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ مِمَّنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَ بِمُفْتٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إذَا سُئِلَ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ الْمُجْتَهِدِ كَالْإِمَامِ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ، فَعُرِفَ أَنَّ مَا يَكُونُ فِي زَمَانِنَا مِنْ فَتْوَى الْمَوْجُودِينَ لَيْسَ بِفَتْوَى، بَلْ هُوَ نَقْلُ كَلَامِ الْمُفْتِي لِيَأْخُذَ بِهِ الْمُسْتَفْتِي. وَطَرِيقُ نَقْلِهِ لِذَلِكَ عَنْ الْمُجْتَهِدِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ سَنَدٌ فِيهِ، أَوْ يَأْخُذَهُ مِنْ كِتَابٍ مَعْرُوفٍ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي نَحْوُ كُتُبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ أَوْ الْمَشْهُورِ انْتَهَى ط.

(قَوْلُهُ: فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ) اعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ أَصْحَابِنَا الْحَنَفِيَّةِ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ أَشَرْت إلَيْهَا سَابِقًا مُلَخَّصَةً وَنَظَّمْتهَا:

الْأُولَى مَسَائِلُ الْأُصُولِ، وَتُسَمَّى ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَيْضًا، وَهِيَ مَسَائِلُ مَرْوِيَّةٌ عَنْ أَصْحَابِ الْمَذْهَبِ، وَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ، وَيَلْحَقُ بِهِمْ زُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ أَخَذَ عَنْ الْإِمَامِ، لَكِنَّ الْغَالِبَ الشَّائِعَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ الثَّلَاثَةِ وَكُتُبُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، كُتُبُ مُحَمَّدٍ السِّتَّةُ الْمَبْسُوطُ وَالزِّيَادَاتُ وَالْجَامِعُ الصَّغِيرُ وَالسِّيَرُ الصَّغِيرُ وَالْجَامِعُ الْكَبِيرُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا رُوِيَتْ عَنْ مُحَمَّدٍ بِرِوَايَاتِ الثِّقَاتِ، فَهِيَ ثَابِتَةٌ عَنْهُ إمَّا مُتَوَاتِرَةً أَوْ مَشْهُورَةً عَنْهُ.

الثَّانِيَةُ مَسَائِلُ النَّوَادِرِ، وَهِيَ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمَذْكُورِينَ لَكِنْ لَا فِي الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ إمَّا فِي كُتُبٍ أُخَرَ لِمُحَمَّدٍ كالكيسانيات والهارونيات والجرجانيات وَالرُّقَيَّاتِ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهَا غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُرْوَ عَنْ مُحَمَّدٍ بِرِوَايَاتٍ ظَاهِرَةٍ ثَابِتَةٍ صَحِيحَةٍ كَالْكُتُبِ الْأُولَى، وَإِمَّا فِي كُتُبِ مُحَمَّدٍ كَالْمُحَرَّرِ لِلْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَغَيْرِهِ وَمِنْهَا كُتُبُ الْأَمَالِي الْمَرْوِيَّةُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ. وَالْأَمَالِي: جَمْعُ إمْلَاءٍ، وَهُوَ مَا يَقُولُهُ الْعَالِمُ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ وَيَكْتُبُهُ التَّلَامِذَةُ وَكَانَ ذَلِكَ عَادَةَ السَّلَفِ، وَإِمَّا بِرِوَايَةٍ مُفْرَدَةٍ كَرِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ وَالْمُعَلَّى بْنِ مَنْصُورٍ وَغَيْرِهِمَا فِي مَسَائِلَ مُعَيَّنَةٍ.

الثَّالِثَةُ الْوَاقِعَاتُ، وَهِيَ مَسَائِلُ اسْتَنْبَطَهَا الْمُجْتَهِدُونَ الْمُتَأَخِّرُونَ لَمَّا سُئِلُوا عَنْهَا وَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا رِوَايَةً، وَهُمْ أَصْحَابُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابُ أَصْحَابِهِمَا، وَهَلُمَّ جَرَّا، وَهُمْ كَثِيرُونَ، فَمِنْ أَصْحَابِهِمَا مِثْلُ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ وَابْنِ رُسْتُمَ وَمُحَمَّدِ بْنُ سِمَاعَةَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الْجُرْجَانِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ وَنُصَيْرِ بْنِ يَحْيَى وَأَبِي النَّصْرِ الْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ. وَقَدْ يَتَّفِقُ لَهُمْ أَنْ يُخَالِفُوا أَصْحَابَ الْمَذْهَبِ لِدَلَائِلَ وَأَسْبَابٍ ظَهَرَتْ لَهُمْ، وَأَوَّلُ كِتَابِ جَمْعٍ فِي فَتْوَاهُمْ فِيمَا بَلَغَنَا كِتَابُ النَّوَازِلِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، ثُمَّ جَمَعَ الْمَشَايِخُ بَعْدَهُ كُتُبًا أُخَرَ كَمَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَالْوَاقِعَاتِ لِلنَّاطِفِيِّ وَالْوَاقِعَاتِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ هَذِهِ الْمَسَائِلَ مُخْتَلِطَةً غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَمَيَّزَ بَعْضُهُمْ كَمَا فِي كِتَابِ الْمُحِيطِ لِرَضِيِّ الدِّينِ السَّرَخْسِيِّ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلًا مَسَائِلَ الْأُصُولِ ثُمَّ النَّوَادِرَ ثُمَّ الْفَتَاوَى وَنِعْمَ مَا فَعَلَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مِنْ كُتُبِ مَسَائِلِ الْأُصُولِ كِتَابُ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ، وَهُوَ كِتَابٌ مُعْتَمَدٌ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ، شَرَحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ، مِنْهُمْ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ بِمَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الطَّرَسُوسِيُّ:

<<  <  ج: ص:  >  >>