وَتَرْكُ كُلِّ سُنَّةٍ وَمُسْتَحَبٍّ، وَحَمْلُ الطِّفْلِ، وَمَا وَرَدَ نُسِخَ بِحَدِيثِ «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» .
ــ
[رد المحتار]
بِالْقَتْلِ بِشَرْطِ تَعَرُّضِهَا لَهُ بِالْأَذَى، وَلَا يَطْرَحُهَا فِي الْمَسْجِدِ بِطَرِيقِ الدَّفْنِ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَظْفَرُ بِهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَبِهَذَا التَّفْصِيلُ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا سَبَقَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَدْفِنُهَا فِي الصَّلَاةِ أَيْ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، وَبَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَوْ دَفَنَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَسَاءَ. اهـ. وَفِي الْإِمْدَادِ عَنْ الْيَنْبُوعِ لِلسُّيُوطِيِّ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ طَرْحُ الْقَمْلِ فِي الْمَسْجِدِ، إنْ كَانَ مَيِّتًا حَرُمَ لِنَجَاسَتِهِ، وَإِنْ كَانَ حَيًّا فَفِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ كَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبًا لَهُ بِالْجُوعِ، بِخِلَافِ الْبُرْغُوثِ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ التُّرَابَ، وَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ طَرْحُ الْقَمْلِ حَيًّا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَيْضًا. اهـ. قَالَ فِي الْإِمْدَادِ: وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كُتُبِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلْقَاءُ قِشْرِ الْقَمْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ. اهـ.
قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّ الْعِلَّةَ تَقْذِيرُ الْمَسْجِدِ وَإِلَّا فَالْمُصَرَّحُ بِهِ عِنْدَنَا أَنَّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ لَا يُنَجِّسُهُ. مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ السُّنَّةِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَخِلَافِ الْأَوْلَى
(قَوْلُهُ وَتَرْكُ كُلِّ سُنَّةٍ وَمُسْتَحَبٍّ) السُّنَّةُ قِسْمَانِ: سُنَّةُ هَدْيٍ وَهِيَ الْمُؤَكَّدَةُ وَسُنَّةُ زَوَائِدَ. وَالْمُسْتَحَبُّ غَيْرُهُ وَهُوَ الْمَنْدُوبُ، أَوْ هُمَا قِسْمَانِ. وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ سُنَّةً وَقَدَّمْنَا تَحْقِيقَ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي سُنَنِ الْوُضُوءِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَعَلَى بِسَاطٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ: الْحَاصِلُ أَنَّ السُّنَّةَ إنْ كَانَتْ مُؤَكَّدَةً قَوِيَّةً لَا يَبْعُدُ كَوْنُ تَرْكِهَا مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُؤَكَّدَةٍ فَتَرْكُهَا مَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا. وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ أَوْ الْمَنْدُوبُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهَ تَرْكُهُ أَصْلًا، لِقَوْلِهِمْ، يُسْتَحَبُّ يَوْمَ الْأَضْحَى أَنْ لَا يَأْكُلَ أَوَّلًا إلَّا مِنْ أُضْحِيَّتِهِ؛ وَلَوْ أَكَلَ مِنْ غَيْرِهَا لَمْ يُكْرَهْ، فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ الْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا مَرْجِعُهُ إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ خِلَافُ الْأَوْلَى. اهـ.
أَقُولُ: لَكِنْ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ عِنْدَ مَسْأَلَةِ الْأَكْلِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ ثُبُوتُ الْكَرَاهَةِ إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ خَاصٍّ اهـ وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي التَّحْرِيرِ الْأُصُولِيِّ، بِأَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى مَا لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ نَهْيٍ كَتَرْكِ صَلَاةِ الضُّحَى بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ تَنْزِيهًا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى أَعَمُّ، فَكُلُّ مَكْرُوهٍ تَنْزِيهًا خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا عَكْسَ لِأَنَّ خِلَافَ الْأَوْلَى قَدْ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا حَيْثُ لَا دَلِيلَ خَاصَّ كَتَرْكِ صَلَاةِ الضُّحَى. وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ كَوْنَ تَرْكِ الْمُسْتَحَبِّ رَاجِعًا إلَى خِلَافِ الْأَوْلَى لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا إلَّا بِنَهْيٍ خَاصٍّ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ وَحَمْلُ الطِّفْلِ) أَيْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ (قَوْلُهُ وَمَا وَرَدَ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ هُوَ أَنَّهُ: كَيْفَ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا، وَاذَا قَامَ حَمَلَهَا» " وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ: مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ حَدِيثَ «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقِصَّةُ أُمَامَةَ بَعْدَهَا وَمِنْهَا مَا فِي الْبَدَائِعِ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُكْرَهْ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِعَدَمِ مَنْ يَحْفَظُهَا، أَوْ لِلتَّشْرِيعِ بِالْفِعْلِ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُفْسِدٍ، وَمِثْلُهُ أَيْضًا فِي زَمَانِنَا لَا يُكْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَّا فِعْلُهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ، أَمَّا بِدُونِهَا فَمَكْرُوهٌ. اهـ. وَقَدْ أَطَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي الْحِلْيَةِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ كَوْنَهُ لِلتَّشْرِيعِ بِالْفِعْلِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ بِالْفِعْلِ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ، فَفِعْلُهُ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَإِنَّ الْآدَمِيَّ طَاهِرٌ، وَمَا فِي جَوْفِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ لِكَوْنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute