للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَذَكُّرُهُ فِي الْفَجْرِ مُفْسِدٌ لَهُ كَعَكْسِهِ) بِشَرْطٍ خِلَافًا لَهُمَا (وَ) لَكِنَّهُ (يُقْضَى) وَلَا يَصِحُّ قَاعِدًا وَلَا رَاكِبًا اتِّفَاقًا.

(وَهُوَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ) كَالْمَغْرِبِ؛ حَتَّى لَوْ نَسِيَ الْقُعُودَ لَا يَعُودُ وَلَوْ عَادَ يَنْبَغِي الْفَسَادُ كَمَا سَيَجِيءُ (وَ) لَكِنَّهُ (يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً) احْتِيَاطًا،

ــ

[رد المحتار]

بَلْ هِيَ ثَابِتَةٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَمَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً.

وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ مَنْ أَنْكَرَ مَشْرُوعِيَّةَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ أَوْ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ يَكْفُرُ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَسَيَأْتِي فِي سُنَنِ الْفَجْرِ أَنَّهُ يُخْشَى الْكُفْرُ عَلَى مُنْكِرِهَا.

قُلْت: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ الْإِنْكَارُ بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا. وَقَدْ صَرَّحَ فِي التَّحْرِيرِ فِي بَابِ الْإِجْمَاعِ بِأَنَّ مُنْكِرَ حُكْمِ الْإِجْمَاعِ الْقَطْعِيِّ يَكْفُرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَطَائِفَةٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الدِّينِ وَهُوَ مَا يَعْرِفُ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ أَنَّهُ مِنْ الدِّينِ كَوُجُوبِ اعْتِقَادِ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَأَخَوَاتِهَا يَكْفُرُ مُنْكِرُهُ، وَمَا لَا فَلَا؛ كَفَسَادِ الْحَجِّ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْوُقُوفِ، وَإِعْطَاءِ السُّدُسِ الْجَدَّةَ وَنَحْوِهِ أَيْ مِمَّا لَا يَعْرِفُ كَوْنَهُ مِنْ الدِّينِ إلَّا الْخَوَاصُّ.

وَلَا شُبْهَةَ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الْوِتْرِ وَنَحْوِهِ يَعْلَمُ الْخَوَاصُّ وَالْعَوَامُّ أَنَّهَا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَيَنْبَغِي الْجَزْمُ بِتَكْفِيرِ مُنْكِرِهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ تَأْوِيلٍ بِخِلَافِ تَرْكِهَا، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ عَنْ اسْتِخْفَافٍ كَمَا مَرَّ يَكْفُرُ وَإِلَّا بِأَنْ يَكُونَ كَسَلًا أَوْ فِسْقًا بِلَا اسْتِخْفَافٍ فَلَا. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ مُفْسِدٌ لَهُ) أَيْ لِلْفَجْرِ وَالْفَجْرُ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ هُوَ مِثَالٌ.

(قَوْلُهُ كَعَكْسِهِ) وَهُوَ تَذَكُّرُ الْفَرْضِ فِيهِ ح (قَوْلُهُ بِشَرْطِهِ) وَهُوَ عَدَمُ ضِيقِ الْوَقْتِ وَعَدَمُ صَيْرُورَتِهَا سِتًّا، وَأَمَّا عَدَمُ النِّسْيَانِ فَلَا يَصِحُّ هُنَا لِأَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا تَذَكَّرَهُ فِي الْفَجْرِ، أَوْ تَذَكَّرَ الْفَجْرَ فِيهِ رَحْمَتِيٌّ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَلَا يَحْكُمَانِ بِالْفَسَادِ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا ط.

(قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ يَقْضِي) لَا وَجْهَ لِلِاسْتِدْرَاكِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ نَظَرًا إلَى قَوْلِهِ اتِّفَاقًا بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْخِلَافَ فِيمَا قَبْلَهُ: أَيْ إنَّهُ يَقْضِي وُجُوبًا اتِّفَاقًا، أَمَّا عِنْدَهُ فَظَاهِرٌ؛ وَأَمَّا عِنْدَهُمَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا فَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرٍ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا ذَكَرَهُ» كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ.

وَاسْتَشْكَلَهُ فِي الْفَتْحِ وَالنَّهْرِ بِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ. وَأَجَابَ فِي الْبَحْرِ بِمَا ذَكَرَ عَنْ الْمُحِيطِ.

قُلْت: وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّ دَلَالَةَ الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ مِمَّا يُقَوِّي الْإِشْكَالَ، إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُمَا لَمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُمَا دَلِيلُ السُّنِّيَّةِ قَالَا بِهِ، وَلَمَّا ثَبَتَ دَلِيلُ الْقَضَاءِ قَالَا بِهِ أَيْضًا اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ وَإِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ.

(قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ إلَخْ) لِأَنَّ الْوَاجِبَاتِ لَا تَصِحُّ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِلَا عُذْرٍ. وَعِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ سُنَّةً، لَكِنْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّلُ عَلَى رَاحِلَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فِي اللَّيْلِ، وَإِذَا بَلَغَ الْوِتْرَ نَزَلَ فَيُوتِرُ عَلَى الْأَرْضِ» بَحْرٌ عَنْ الْمُحِيطِ، وَالْقُعُودُ كَالرُّكُوبِ (قَوْلُهُ اتِّفَاقًا) رَاجِعٌ لِلْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ ح وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي خَمْسٍ: فِي تَذَكُّرِهِ فِي الْفَرْضِ، وَعَكْسِهِ، وَفِي قَضَائِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، وَإِعَادَتِهِ بِفَسَادِ الْعِشَاءِ خَزَائِنُ؛ أَيْ فَإِنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهِ لَا يَلْزَمُ فَسَادُ الْفَرْضِ وَلَا فَسَادُهُ بِالتَّذَكُّرِ، وَلَا يَقْضِي فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَيُعَادُ لَوْ ظَهَرَ فَسَادُ الْعِشَاءِ دُونَهُ.

(قَوْلُهُ كَالْمَغْرِبِ) أَفَادَ بِهِ أَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى فِيهِ وَاجِبَةٌ، وَأَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ط.

(قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَسِيَ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ كَالْمَغْرِبِ، وَلَوْ كَانَ كَالنَّفْلِ لَعَادَ قَبْلَ أَنْ يُقَيِّدَ مَا قَامَ إلَيْهِ بِالسُّجُودِ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ النَّفْلِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ ط.

(قَوْلُهُ لَا يَعُودُ) أَيْ إذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا لِاشْتِغَالِهِ بِفَرْضِ الْقِيَامِ.

(قَوْلُهُ كَمَا سَيَجِيءُ) أَيْ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ، لَكِنَّهُ رَجَّحَ هُنَاكَ عَدَمَ الْفَسَادِ وَنَقَلَ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّهُ الْحَقُّ.

(قَوْلُهُ وَلَكِنَّهُ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ كَالْمَغْرِبِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي ثَالِثَتِهِ.

(قَوْلُهُ احْتِيَاطًا) أَيْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَرَدَّدَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْفَرْضِ؛ فَبِالنَّظَرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>