لَمْ يُفْتِ بِمُخَالِفِهِ إلَّا إذَا كَانَ فِي الْهِدَايَةِ مَثَلًا هُوَ الصَّحِيحُ. وَفِي الْكَافِي بِمُخَالِفِهِ هُوَ الصَّحِيحُ فَيُخَيَّرُ فَيَخْتَارُ الْأَقْوَى عِنْدَهُ وَالْأَلْيَقَ وَالْأَصْلَحَ اهـ فَلْيُحْفَظْ
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْتِي وَالْقَاضِي إلَّا أَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ عَنْ الْحُكْمِ وَالْقَاضِيَ مُلْزِمٌ بِهِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ وَالْفُتْيَا بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ جَهْلٌ وَخَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ،
ــ
[رد المحتار]
وَجَدَ التَّصْحِيحَ فِي كِتَابٍ آخَرَ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ الْأَوْلَى تَقْدِيمُ الْآكَدِ مِنْهُمَا أَوْ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَارِّ، وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ هَذَا تَفْصِيلٌ آخَرُ زَائِدٌ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرُ مُخَالِفٍ لَهُ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ إلَخْ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَا وُجِدَ فِيهِ التَّصْحِيحُ مِنْ كِلَا الطَّرَفَيْنِ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُذَيَّلْ مُخَالِفُهُ بِشَيْءٍ كَمَا مَرَّ. وَفَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ تَوْضِيحُ مَا مَرَّ عَنْ وَقْفِ الْبَحْرِ وَبَيَانِ الْمُرَادِ مِنْ التَّخْيِيرِ، فَلَيْسَ فِيهِ تَكْرِيرٌ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الْكَافِي) يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَافِي الْحَاكِمِ أَوْ كَافِي النَّسَفِيِّ الَّذِي شَرَحَ بِهِ كِتَابَهُ الْوَافِيَ أَصْلَ الْكَنْزِ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ: فَيَخْتَارُ الْأَقْوَى) أَيْ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ أَوْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا تَنْسَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ بَقِيَّةِ قُيُودِ التَّخْيِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَالْأَلْيَقُ) أَيْ لِزَمَانِهِ وَالْأَصْلَحُ الَّذِي يَرَاهُ مُنَاسِبًا فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ.
(قَوْلُهُ: فَلْيُحْفَظْ) أَيْ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْحُكْمَ إنْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا يُفْتَى بِهِ قَطْعًا، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يُصَحِّحَ الْمَشَايِخُ أَحَدَ الْقَوْلَيْنِ فِيهِ أَوْ كُلًّا مِنْهُمَا، أَوَّلًا وَإِلَّا فَفِي الثَّالِثِ يُعْتَبَرُ التَّرْتِيبُ، بِأَنْ يُفْتَى بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَخْ، أَوْ يُعْتَبَرُ قُوَّةُ الدَّلِيلِ، وَقَدْ مَرَّ التَّوْفِيقُ، وَفِي الْأَوَّلِ إنْ كَانَ التَّصْحِيحُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ خُيِّرَ الْمُفْتِي، وَإِلَّا فَلَا، بَلْ يُفْتَى بِالْمُصَحَّحِ فَقَطْ، وَهَذَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الرِّسَالَةِ. وَفِي الثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَوْ لَا. فَفِي الْأَوَّلِ قِيلَ يُفْتَى بِالْأَصَحِّ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْخَيْرِيَّةِ وَقِيلَ بِالصَّحِيحِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ شَرْحِ الْمُنْيَةِ، وَفِي الثَّانِي يُخَيَّرُ الْمُفْتِي وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ وَقْفِ الْبَحْرِ وَالرِّسَالَةِ أَفَادَهُ ح.
(قَوْلُهُ: فِي تَصْحِيحِهِ) أَيْ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّصْحِيحِ، وَالتَّرْجِيحِ الْمَوْضُوعِ عَلَى مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ.
(قَوْلُهُ: لَا فَرْقَ إلَخْ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِالتَّشَهِّي، بَلْ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ مَا رَجَّحُوهُ فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي مُخْبِرًا وَالْقَاضِي مُلْزِمًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَصْرَ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ: وَأَنَّ الْحُكْمَ وَالْفُتْيَا إلَخْ) وَكَذَا الْعَمَلُ بِهِ لِنَفْسِهِ. قَالَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ [الْعِقْد الْفَرِيدِ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ] : مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ مَنْعُ الْعَمَلِ بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ فِي الْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ دُونَ الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ. مَطْلَبُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ حَتَّى لِنَفْسِهِ عِنْدَنَا
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ الْمَنْعُ عَنْ الْمَرْجُوحِ حَتَّى لِنَفْسِهِ لِكَوْنِ الْمَرْجُوعِ صَارَ مَنْسُوخًا اهـ فَلْيُحْفَظْ، وَقَيَّدَهُ الْبِيرِيُّ بِالْعَامِّيِّ أَيْ الَّذِي لَا رَأْيَ لَهُ يَعْرِفُ بِهِ مَعْنَى النُّصُوصِ حَيْثُ قَالَ: هَلْ يَجُوزُ لِلْإِنْسَانِ الْعَمَلُ بِالضَّعِيفِ مِنْ الرِّوَايَةِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، نَعَمْ إذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ، أَمَّا إذَا كَانَ عَامِّيًّا فَلَمْ أَرَهُ، لَكِنْ مُقْتَضَى تَقْيِيدِهِ بِذِي الرَّأْيِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ ذَلِكَ. قَالَ فِي خِزَانَةِ الرِّوَايَاتِ: الْعَالِمُ الَّذِي يَعْرِفُ مَعْنَى النُّصُوصِ وَالْأَخْبَارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الدِّرَايَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِهِ اهـ.
قُلْت: لَكِنْ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ فِي حَيْضِ الْبَحْرِ فِي بَحْثِ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ أَقْوَالًا ضَعِيفَةً، ثُمَّ قَالَ: وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ فَخْرِ الْأَئِمَّةِ: لَوْ أَفْتَى مُفْتٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ طَلَبًا لِلتَّيْسِيرِ كَانَ حَسَنًا. اهـ. وَكَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمَنِيِّ إذَا خَرَجَ بَعْدَ فُتُورِ الشَّهْوَةِ لَا يَجِبُ بِهِ الْغَسْلُ ضَعِيفٌ، وَأَجَازُوا الْعَمَلَ بِهِ لِلْمُسَافِرِ أَوْ الضَّيْفِ الَّذِي خَافَ الرِّيبَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ وَذَلِكَ مِنْ مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ.
(قَوْلُهُ: بِالْقَوْلِ الْمَرْجُوحِ) كَقَوْلِ