وَالْقَضَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ بَعْدَ وَقْتِهِ، وَإِطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ كَاَلَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ مَجَازٌ (التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفُرُوضِ الْخَمْسَةِ وَالْوِتْرِ أَدَاءٌ وَقَضَاءً لَازِمٌ) يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ،
ــ
[رد المحتار]
عَنْ شَرْحِ التَّحْرِيرِ تَرْجِيحُهُ، وَقَدْ عَلِمْت أَيْضًا تَرْجِيحَ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، فَيَكُونُ الْمُرَجَّحُ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ، وَيُشِيرُ إلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمِيزَانِ مِنْ قَوْلِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَهُوَ إتْيَانُ مِثْلِ الْأَوَّلِ ذَاتًا مَعَ صِفَةِ الْكَمَالِ: أَيْ كَمَالِ مَا نَقَصَهُ مِنْهَا، وَذَلِكَ يَعُمُّ وُجُوبَ الْإِتْيَانِ بِهَا كَامِلَةً فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ كَمَا مَرَّ. ثُمَّ هَذَا حَيْثُ كَانَ النُّقْصَانُ بِكَرَاهَةِ تَحْرِيمٍ لِمَا فِي مَكْرُوهَاتِ الصَّلَاةِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْحَقَّ التَّفْصِيلُ بَيْنَ كَوْنِ تِلْكَ الْكَرَاهَةِ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ فَتَجِبُ الْإِعَادَةُ أَوْ تَنْزِيهٍ فَتُسْتَحَبُّ اهـ أَيْ تُسْتَحَبُّ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ أَيْضًا.
[تَنْبِيهٌ] يُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِ الْإِعَادَةِ وَمِنْ تَعْرِيفِهَا بِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَنْوِي بِالثَّانِيَةِ الْفَرْضَ لِأَنَّ مَا فُعِلَ أَوَّلًا هُوَ الْفَرْضُ فَإِعَادَتُهُ فِعْلُهُ ثَانِيًا؛ أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِالثَّانِيَةِ فَظَاهِرٌ؛ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَكْرِيرِهَا ثَانِيًا جَبْرُ نُقْصَانِ الْأُولَى، فَالْأُولَى فَرْضٌ نَاقِصٌ، وَالثَّانِيَةُ فَرْضٌ كَامِلٌ مِثْلُ الْأُولَى ذَاتًا مَعَ زِيَادَةِ وَصْفِ الْكَمَالِ، وَلَوْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ نَفْلًا لَزِمَ أَنْ تَجِبَ الْقِرَاءَةُ فِي رَكَعَاتِهَا الْأَرْبَعِ، وَأَنْ لَا تُشْرَعَ الْجَمَاعَةُ فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرُوهُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا فَرْضًا عَدَمُ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِالْأُولَى لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا تَكُونُ فَرَضَا بَعْدَ الْوُقُوعِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَالْفَرْضُ هُوَ الْأُولَى.
وَحَاصِلُهُ تَوَقُّفُ الْحُكْمِ بِفَرْضِيَّةِ الْأُولَى عَلَى عَدَمِ الْإِعَادَةِ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَسَلَامِ مَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ يُخْرِجُهُ خُرُوجًا مَوْقُوفًا، وَكَفَسَادِ الْوَقْتِيَّةِ مَعَ تَذَكُّرِ الْفَائِتَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَكَتَوَقُّفِ الْحُكْمِ بِفَرْضِيَّةِ الْمَغْرِبِ فِي طَرِيقِ الْمُزْدَلِفَةِ عَلَى عَدَمِ إعَادَتِهَا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَبِهَذَا ظَهَرَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ؛ وَأَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَهُمَا لَفْظِيٌّ لِأَنَّ الْقَائِلَ أَيْضًا بِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الثَّانِيَةُ أَرَادَ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ؛ وَإِلَّا لَزِمَ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الْأُولَى بِتَرْكِ مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ كَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ، وَلَزِمَ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّرْتِيبُ فِي الثَّانِيَةِ لَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً، وَالْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ أَحَدٌ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الْفَرْضَ مِنْهَا آيَةٌ وَالثَّلَاثُ وَاجِبَةٌ وَالزَّائِدُ سُنَّةٌ، وَمَا ذَاكَ إلَّا بِالنَّظَرِ إلَى مَا قَبْلَ الْوُقُوعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي رَكْعَةٍ يَقَعُ الْكُلُّ فَرْضًا، وَكَذَا لَوْ أَطَالَ الْقِيَامَ أَوْ الرُّكُوعَ أَوْ السُّجُودَ، هَذَا نِهَايَةُ مَا تَحَرَّرَ لِي مِنْ فَتْحِ الْمَلِكِ الْوَهَّابِ، فَاغْتَنِمْهُ فَإِنَّهُ مِنْ مُفْرَدَاتِ هَذَا الْكِتَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
(قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ فِعْلُ الْوَاجِبِ إلَخْ) وَقِيلَ فِعْلُ مِثْلِهِ بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ لَا بِمَا يَجِبُ بِهِ الْأَدَاءُ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَكُتُبِ الْأُصُولِ (قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُهُ إلَخْ) أَيْ كَمَا فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَقَضَاءُ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ إلَخْ؛ وَقَوْلُ الْكَنْزِ: وَقَضَى الَّتِي قَبْلَ الظُّهْرِ فِي وَقْتِهِ قَبْلَ شَفْعِهِ، وَكَذَا إطْلَاقُ الْفُقَهَاءِ الْقَضَاءَ عَلَى الْحَجِّ بَعْدَ فَسَادِهِ مَجَازٌ، إذْ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَصِيرُ بِخُرُوجِهِ قَضَاءً كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَقَدَّمْنَا وَجْهَ كَوْنِ النَّفْلِ لَا يُسَمَّى قَضَاءً وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَأَنَّهُ يُسَمَّى أَدَاءً حَقِيقَةً، كَمَا إذَا أَتَى بِالْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ؛ أَمَّا إذَا أَتَى بِهَا بَعْدَهُ فَهِيَ قَضَاءٌ، إذْ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَهَا وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الظُّهْرِ فَافْهَمْ.
(قَوْلُهُ أَدَاءً وَقَضَاءً) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ مَانِعَةُ الْخُلُوِّ، فَيَشْمَلُ ثَلَاثَ صُوَرٍ: مَا إذَا كَانَ الْكُلُّ قَضَاءً، أَوْ الْبَعْضُ قَضَاءً وَالْبَعْضُ أَدَاءً، أَوْ الْكُلُّ أَدَاءً كَالْعِشَاءِ مَعَ الْوِتْرِ ط وَدَخَلَ فِيهِ الْجُمُعَةُ، فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَازِمٌ، فَلَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْفَجْرَ يُصَلِّيهَا وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ يَخْطُبُ إسْمَاعِيلُ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.
(قَوْلُهُ يَفُوتُ الْجَوَازُ بِفَوْتِهِ) الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ الصِّحَّةُ لَا الْحِلُّ؛ وَأَفَادَ أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute