للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَتَجِبُ) سَجْدَةٌ أَوْ سَجَدَاتٌ (أُخْرَى) بِخِلَافِ زَوَايَا مَسْجِدٍ وَبَيْتٍ وَسَفِينَةٍ سَائِرَةٍ وَفِعْلٍ قَلِيلٍ كَأَكْلِ لُقْمَتَيْنِ وَقِيَامٍ

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ أَوْ التِّلَاوَةِ بَدَلَ الْآيَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ السَّامِعِ هُوَ التِّلَاوَةُ كَمَا مَرَّ عَلَى أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْآتِي لَا عَكْسُهُ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى سَبَبِيَّةِ السَّمَاعِ، وَعَلَيْهِ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرَ بِالسَّمَاعِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى سَبَبِيَّةِ السَّمَاعِ وَلَمَّا كَانَ تَبَدُّلُ السَّمَاعِ بِتَبَدُّلِ الْمَسْمُوعِ أَتَى بِقَوْلِهِ أَوْ الْآيَةِ بَدَلَ قَوْلِهِ أَوْ السَّمَاعِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ فَتَجِبُ سَجْدَةٌ أَوْ سَجَدَاتٌ) أَيْ بِقَدْرِ تَعَدُّدِ التِّلَاوَةِ، وَقَوْلُهُ أُخْرَى صِفَةٌ سَجْدَةٍ وَيُقَدَّرُ لِقَوْلِهِ أَوْ سَجَدَاتٌ صِفَةٌ غَيْرُهَا أَيْ أُخَرُ فَفِيهِ حَذْفُ الصُّفَّةِ لِدَلِيلٍ وَإِقْحَامُ الْمَعْطُوفِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَصِفَتِهِ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ زَوَايَا مَسْجِدٍ) أَيْ وَلَوْ كَبِيرًا عَلَى الْأَوْجَهِ وَكَذَا الْبَيْتُ. وَفِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ إلَّا إذَا كَانَتْ الدَّارُ كَبِيرَةً كَدَارِ السُّلْطَانِ. اهـ. حِلْيَةٌ وَظَاهِرٌ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي دُونَهَا لَهَا حُكْمُ الْبَيْتِ وَإِنْ اشْتَمَلَتْ عَلَى بُيُوتٍ، ثُمَّ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ: ثُمَّ الْأَصْلُ عَلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ فِيهِ بِمَنْ يُصَلِّي فِي طَرَفٍ مِنْهُ يُجْعَلُ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ وَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ فِيهِ وَمَا لَا فَلَا، فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ أَوْ تَسْدِيَةُ الثَّوْبِ أَوْ التَّرَدُّدُ فِي الدِّيَاسَةِ أَوْ حَوْلَ رَحَا الطَّحْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ الْمَكَانِ الْوَاحِدِ كَالْمَسْجِدِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَكَرَّرَ الْوُجُوبُ بِتَكْرِيرِ التِّلَاوَةِ. اهـ.

قُلْت: هُوَ بَحْثٌ وَجِيهٌ، لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِمْ خِلَافُهُ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ وَالتَّسْدِيَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَعْمَالٌ أَجْنَبِيَّةٌ كَثِيرَةٌ يَخْتَلِفُ بِهَا الْمَجْلِسُ حُكْمًا كَالْكَلَامِ وَالْأَكْلِ الْكَثِيرِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَجْلِسَ يَخْتَلِفُ حُكْمًا بِمُبَاشَرَةِ عَمَلٍ يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ قَطْعًا لِمَا قَبْلَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْبَيْتِ بَلْ يَخْتَلِفُ بِهَا حَقِيقَةً لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَكَانٌ وَاحِدٌ حُكْمًا وَبِهَذِهِ الْأَفْعَالِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الِانْتِقَالِ يَخْتَلِفُ حَقِيقَةً بِخِلَافِ الْأَكْلِ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ حُكْمِيٌّ، وَعَلَى كُلٍّ يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ وَلِذَا قَيَّدَ فِي الْوَاقِعَاتِ الِانْتِقَالَ مِنْ غُصْنٍ إلَى غَيْرِهِ بِمَا إذَا احْتَاجَ إلَى نُزُولٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَيْ لِيَكُونَ عَمَلًا كَثِيرًا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا لَهُ حُكْمُ الْمَكَانِ الْوَاحِدِ كَالْمَسْجِدِ وَالْبَيْتِ لَا يَضُرُّ الِانْتِقَالُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ خُطُوَاتٍ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِعَمَلٍ أَجْنَبِيٍّ يُعَدُّ فِي الْعُرْفِ قَطْعًا لِمَا قَبْلَهُ كَالدِّيَاسَةِ وَالتَّسْدِيَةِ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْمَشْيِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ بَلْ إطْلَاقُ كَلَامِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْأَجْنَبِيَّ كَالْأَكْلِ الْكَثِيرِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَضُرُّ هُنَا، وَلَوْ بِدُونِ مَشْيٍ وَانْتِقَالٍ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدُوهُ بِغَيْرِ الْمَسْجِدِ وَالْبَيْتِ وَمُقْتَضَاهُ تَكْرَارُ الْوُجُوبِ لَوْ فَصَلَ بَيْنَ التِّلَاوَتَيْنِ بِعَمَلٍ دُنْيَوِيٍّ كَخِيَاطَةٍ وَحِيَاكَةٍ وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْبَيْتِ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فِي تَحْقِيقِ اخْتِلَافِ الْمَجْلِسِ حُكْمًا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقَوْمَ يَجْلِسُونَ لِدَرْسِ الْعَالِمِ فَيَكُونُ مَجْلِسُ الدَّرْسِ ثُمَّ يَشْتَغِلُونَ بِالنِّكَاحِ فَيَصِيرُ مَجْلِسَ النِّكَاحِ، ثُمَّ بِالْبَيْعِ، فَيَصِيرُ مَجْلِسَ الْبَيْعِ، ثُمَّ بِالْأَكْلِ فَيَصِيرُ مَجْلِسَ الْأَكْلِ فَصَارَ تَبَدُّلُهُ بِهَذِهِ الْأَفْعَالِ كَتَبَدُّلِهِ بِالذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ. اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَمَا مَرَّ عَنْ الْفَتْحِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُدِيرُ السَّدَاءَ عَلَى الدَّائِرَةِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَكَان وَاحِدٍ، فَلَا يَتَكَرَّرُ فِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ التِّلَاوَتَيْنِ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ إدَارَةِ الدَّائِرَةِ كَثِيرًا وَبَيْنَ الْأَكْلِ الْكَثِيرِ وَإِرْضَاعِ الْوَلَدِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِهِ الْمَجْلِسُ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ إذَا جَلَسَ لِلتَّسْدِيَةِ وَقَرَأَ مِرَارًا لَا تَكُونُ التَّسْدِيَةُ فَاصِلَةً لِكَوْنِ الْمَجْلِسِ لَهَا. وَعَلَيْهِ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي الْأَكْلِ وَنَحْوِهِ فَتَأَمَّلْ، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَحْرِيرُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ وَفِعْلٍ قَلِيلٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْفِعْلِ الْكَثِيرِ الَّذِي يُعَدُّ قَاطِعًا لِلْمَجْلِسِ عُرْفًا كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ مَا إذَا طَالَ جُلُوسُهُ أَوْ قِرَاءَتُهُ أَوْ سَبَّحَ أَوْ هَلَّلَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوْ وَعَظَ أَوْ دَرَسَ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

(قَوْلُهُ وَقِيَامٍ) أَيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>