وَمَنْ جَمَعَ نَظَرَ لِأَنْوَاعِهَا وَهِيَ كَثِيرَةٌ. وَحِكَمُهَا شَهِيرَةٌ. وَحُكْمُهَا اسْتِبَاحَةُ مَا لَا يَحِلُّ بِدُونِهَا
(وَسَبَبُهَا) أَيْ سَبَبُ وُجُوبِهَا (مَا لَا يَحِلُّ) فِعْلُهُ فَرْضًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَالصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ (إلَّا بِهَا) أَيْ بِالطَّهَارَةِ. صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ بَعْدَ سَرْدِ الْأَقْوَالِ وَنَقْلِ كَلَامِ الْكَمَالِ: الظَّاهِرُ أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِرَادَةُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، لَكِنْ بِتَرْكِ إرَادَةِ النَّفْلِ يَسْقُطُ الْوُجُوبُ
ــ
[رد المحتار]
وَأَرَادَ بِالْخَبَثِ مَا يَعُمُّ الْمَعْنَوِيَّ كَمَا مَرَّ، فَيَشْمَلُ أَيْضًا الْوُضُوءَ عَلَى الْوُضُوءِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُطَهِّرٌ لِلذُّنُوبِ، وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِ الْبَحْرِ زَوَالُ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ لِيَشْمَلَ الطَّهَارَةَ الْأَصْلِيَّةَ؛ لِأَنَّ الزَّوَالَ يُشْعِرُ بِسَبْقِ الْوُجُودِ، وَعَنْ قَوْلِ النَّهْرِ إزَالَةٌ لِيَشْتَمِلَ النَّظَافَةَ بِلَا قَصْدٍ كَنُزُولِ الْمُحْدِثِ فِي الْمَاءِ لِلسِّبَاحَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَوْ هُنَا لِلتَّقْسِيمِ وَالتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّرْدِيدِ، فَالْقِسْمَانِ الْمُتَخَالِفَانِ حَقِيقَةً مُتَشَارِكَانِ فِي مُطْلَقِ الْمَاهِيَّةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْحَدَّ إمَّا هَذَا وَإِمَّا هَذَا عَلَى سَبِيلِ الشَّكِّ أَوْ التَّشْكِيكِ لِيُنَافِيَ الْحَدَّ الْمَقْصُودَ بِهِ بَيَانُ الْمَاهِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ عَلَى أَنَّ مَا هُنَا رَسْمٌ لَا حَدٌّ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ. قَالَ فِي السَّلَمِ:
وَلَا يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ ذِكْرُ أَوْ ... وَجَائِزٌ فِي الرَّسْمِ فَادْرِ مَا رَوَوْا.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ جَمَعَ) أَيْ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ كِتَابُ الطِّهَارَات.
(قَوْلُهُ: نَظَرَ لِأَنْوَاعِهَا) أَيْ فَإِنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ إلَى وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَتَيَمُّمٍ وَغَسْلِ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّامَ تُبْطِلُ الْجَمْعِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا مَجَازٌ عَنْ الْجِنْسِ. وَدُفِعَ بِأَنَّ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْعَهْدِ وَانْتِفَاؤُهُمَا هَا هُنَا مُمْتَنِعٌ، وَلَوْ سَلِمَ فَاسْتِوَاءُ هَذَا الْجَمْعِ وَالْمُفْرَدِ مُمْتَنِعٌ لِمَا فِي لَفْظِ الْجَمْعِ مِنْ الْإِشْعَارِ بِالتَّعَدُّدِ وَإِنْ بَطَلَ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ، وَتَمَامُهُ فِي النَّهْرِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى إبْطَالِهَا الْجَمْعِيَّةَ أَنَّ مَدْخُولَهَا صَارَ يَصْدُقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، لَا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ صَالِحًا لِلْكَثِيرِ.
فَإِنْ قِيلَ الْمَصْدَرُ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ قِيلَ جَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ وَذَلِكَ شَائِعٌ كَمَا يُجْمَعُ الْعِلْمُ وَالْبَيْعُ قَالَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى، وَقَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ وَالْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ.
(قَوْلُهُ: وَحِكَمُهَا) بِكَسْرِ الْحَاءِ جَمْعُ حِكْمَةٍ: أَيْ مَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ.
(قَوْلُهُ: شَهِيرَةٌ) مِنْهَا تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ وَمَنْعُ الشَّيْطَانِ عَنْهُ ط وَتَحْسِينُ الْأَعْضَاءِ فِي الدُّنْيَا بِالتَّنْظِيفِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالتَّحْجِيلِ، إمْدَادٌ.
(قَوْلُهُ: وَحُكْمُهَا) أَيْ أَثَرُهَا الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ: اسْتِبَاحَةُ) السِّينُ وَالتَّاءُ زَائِدَتَانِ أَوْ لِلصَّيْرُورَةِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَلَمْ يَذْكُرُوا مِنْ حُكْمِهَا الثَّوَابَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِيهَا لِتَوَقُّفِهِ عَلَى النِّيَّةِ وَهِيَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهَا ط.
(قَوْلُهُ: أَيْ سَبَبُ وُجُوبِهَا) قُدِّرَ الْمُضَافُ لِظُهُورِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَثَلًا لَيْسَتْ سَبَبًا لِوُجُودِ الطَّهَارَةِ. اهـ. ح.
(قَوْلُهُ: مَا لَا يَحِلُّ) أَيْ إرَادَةُ مَا لَا يَحِلُّ، وَقَوْلُهُ فَرْضًا كَانَ تَعْمِيمٌ لِقَوْلِهِ فِعْلُهُ وَقَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ فِيهِ الْقِسْمَانِ الْفَرْضُ وَغَيْرُهَا، قَوْلُهُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ قَاصِرٌ عَلَى غَيْرِ الْفَرْضِ ط.
(قَوْلُهُ: صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ إلَخْ) ذِكْرُهُ عَقِبَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ هُوَ الْإِرَادَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ الْوُجُوبِ. وَقَدْ يُقَالُ لَا تَقْدِيرَ أَصْلًا، وَأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ ذَاتَ مَا لَا يَحِلُّ إلَّا بِهَا سَبَبُ الْوُجُوبِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْأَتْقَانِيُّ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ أَنَّ السَّبَبَ عِنْدَنَا الصَّلَاةُ بِدَلِيلِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا، وَهُوَ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ اهـ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَشْمَلُ لِشُمُولِهِ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: الْأَقْوَالُ) أَيْ الْأَرْبَعَةُ الْآتِيَةُ.
(قَوْلُهُ: هُوَ الْإِرَادَةُ) أَقُولُ: هُوَ مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَثِمَ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَأْتِي عَنْ الزَّيْلَعِيِّ، وَالثَّانِي أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْإِرَادَةُ الْمُسْتَلْحِقَةُ لِلشُّرُوعِ. اهـ.