للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ

ــ

[رد المحتار]

فِي الْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ كَمَا حَقَّقَهُ السَّعْدُ فِي حَوَاشِي الْكَشَّافِ، وَتَمَامُهُ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ لِلْحَمَوِيِّ. وَفِي التَّحْرِيرِ: هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلِاعْتِنَاءِ بِإِظْهَارِ الشَّرَفِ، وَيَتَحَقَّقُ مِنْهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِهِ بِالدُّعَاءِ، فَهِيَ مِنْ قَبِيلِ الْمُشْتَرَكِ الْمَعْنَوِيِّ، وَهُوَ أَرْجَحُ مِنْ الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ، أَوْ هِيَ مَجَازٌ فِي الِاعْتِنَاءِ الْمَذْكُورِ. اهـ. وَبِهِ انْدَفَعَ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ تَعَالَى - {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: ٥٦]- الْآيَةُ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ مَعْنَى الْمُشْتَرَكِ اللَّفْظِيِّ، وَلِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعَطْفِ عُدِّيَتْ بِعَلَى لِلْمَنْفَعَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَعَدِّي بِهَا لِلْمَضَرَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُتَرَادِفَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ جَرَيَانِ أَحَدِهِمَا مَجْرَى الْآخَرِ، وَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ لَفْظًا مَنْقُولَةٌ إلَى الْإِنْشَاءِ، أَوْ مَجَازٌ فِيهِ بِمَعْنَى اللَّهُمَّ صَلِّ، إذْ الْمَقْصُودُ إيجَادُ الصَّلَاةِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ. قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ: وَمَعْنَاهَا الثَّنَاءُ الْكَامِلُ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي وُسْعِنَا فَأُمِرْنَا أَنْ نَكِلَ ذَلِكَ إلَيْهِ تَعَالَى كَمَا فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ

١ -

مَطْلَبٌ (أَفْضَلُ صِيَغِ الصَّلَاةِ) وَأَفْضَلُ الْعِبَارَاتِ عَلَى مَا قَالَ السُّيُوطِيّ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَقِيلَ هُوَ التَّعْظِيمُ؛ فَالْمَعْنَى اللَّهُمَّ عَظِّمْهُ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَاءِ ذِكْرِهِ وَإِنْفَاذِ شَرِيعَتِهِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِتَضْعِيفِ أَجْرِهِ وَتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ اهـ وَعَطَفَ قَوْلَهُ وَسَلَّمَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي، وَيُحْتَمَلُ صِيغَةُ الْأَمْرِ مِنْ عَطْفِ الْإِنْشَاءِ عَلَى الْإِنْشَاءِ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى وَحُذِفَ مَعْمُولُهُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ: أَيْ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَمَصْدَرُهُ التَّسْلِيمُ وَاسْمُ مَصْدَرِهِ السَّلَامَةُ، وَمَعْنَاهُ السَّلَامَةُ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ. قَالَ الْحَمَوِيُّ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ كَرِهَ إفْرَادَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي، وَهَذَا الْخِلَافُ فِي حَقِّ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَمَنْ ادَّعَاهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُورِدَ نَقْلًا صَرِيحًا وَلَا يَجِدُ إلَيْهِ سَبِيلًا كَذَا فِي شَرْحِ الْعَلَّامَةِ ميرك عَلَى الشَّمَائِلِ. اهـ. أَقُولُ: وَجَزَمَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَوْلِ بِكَرَاهَةِ الْإِفْرَادِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى [حِلْيَةُ الْمُجَلِّي فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي] بِمَا فِي سُنَنِ النَّسَائِيّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ فِي حَدِيثِ الْقُنُوتِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ " ثُمَّ قَالَ: مَعَ أَنَّ فِي قَوْله تَعَالَى - {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: ١٨١]- {وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: ٥٩]- إلَى غَيْرِ ذَلِكَ أُسْوَةً حَسَنَةً. اهـ. وَمِمَّنْ رَدَّ الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ الْعَلَّامَةُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِ الْجَزْرِيَّةِ فَرَاجِعْهُ

(قَوْلُهُ: وَعَلَى آلِهِ) اُخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُمْ قَرَابَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِيهِمْ، وَقِيلَ جَمِيعُ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ مَالِكٌ وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ شَرْحُ التَّحْرِيرِ.

وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ الثَّانِيَ مُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ (قَوْلُهُ: وَصَحْبِهِ) جَمْعُ صَاحِبٍ، وَقِيلَ اسْمُ جَمْعٍ لَهُ. قَالَ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ: وَالصَّحَابِيُّ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ لَقِيَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُسْلِمًا وَمَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ، أَوْ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَمَاتَ قَبْلَهَا عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ كَزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ، أَوْ ارْتَدَّ وَعَادَ فِي حَيَاتِهِ. وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ مُتَّبِعًا لَهُ مُدَّةً يَثْبُتُ مَعَهَا إطْلَاقُ صَاحِبِ فُلَانٍ عُرْفًا بِلَا تَحْدِيدٍ فِي الْأَصَحِّ. اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ تَعُودُ صُحْبَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُحْبَطُ عَمَلُهُ مَا لَمْ يَمُتْ عَلَى الرِّدَّةِ: أَمَّا عِنْدَنَا فَبِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ يُحْبَطُ الْعَمَلُ، وَالصُّحْبَةُ مِنْ أَشْرَفِ الْأَعْمَالِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا إنَّهُ بِالْإِسْلَامِ تَعُودُ أَعْمَالُهُ مُجَرَّدَةً عَنْ الثَّوَابِ، وَلِذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ سِوَى عِبَادَةٍ بَقِيَ سَبَبُهَا كَالْحَجِّ وَكَصَلَاةٍ صَلَّاهَا فَارْتَدَّ فَأَسْلَمَ فِي وَقْتِهَا. وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُقَالُ تَعُودُ صُحْبَتُهُ مُجَرَّدَةً عَنْ الثَّوَابِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>