لَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ وَرَجَّحَ تَقْيِيدَهُ بِالْجَهْرِ. زَادَ فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَا: الْجَهْرُ بِهِ سُنَّةٌ كَالْأَضْحَى وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْهُ وَوَجْهُهَا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى - {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: ١٨٥]- وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ بِدْعَةٌ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ. اهـ.
(وَكَذَا) لَا يَتَنَفَّلُ (بَعْدَهَا فِي مُصَلَّاهَا) فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ (وَإِنْ) تَنَفَّلَ بَعْدَهَا (فِي الْبَيْتِ جَازَ) بَلْ
ــ
[رد المحتار]
فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: وَلَا يُكَبِّرُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَعِنْدَهُمَا يُكَبِّرُ وَيُخَافِتُ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ. اهـ. فَأَفَادَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ التَّكْبِيرِ لَا فِي صِفَتِهِ وَأَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ الْجَهْرِ بِهِ. وَرَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ إذْ لَا يُمْنَعُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ - تَعَالَى فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ بَلْ مِنْ إيقَاعِهِ عَلَى وَجْهِ الْبِدْعَةِ وَهُوَ الْجَهْرُ لِمُخَالَفَتِهِ قَوْله تَعَالَى {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} [الأعراف: ٢٠٥] فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْأَضْحَى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: ٢٠٣] وَرَّدَ فِي الْبَحْرِ عَلَى الْفَتْحِ بِأَنَّ صَاحِبَ الْخُلَاصَةِ أَعْلَمُ مِنْهُ بِالْخِلَافِ وَبِأَنَّ تَخْصِيصَ الذِّكْرِ بِوَقْتٍ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ. اهـ.
أَقُولُ: مَا فِي الْخُلَاصَةِ يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ الْخَانِيَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ وَيُكَبِّرُ يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَجْهَرُ، وَلَا يُكَبِّرُ يَوْمَ الْفِطْرِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ لَهُ عِلْمٌ تَامٌّ بِالْخِلَافِ أَيْضًا، كَيْفَ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْمُرَادُ مِنْ نَفْيِ التَّكْبِيرِ التَّكْبِيرُ بِصِفَةِ الْجَهْرِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ بِصِفَةِ الْإِخْفَاءِ اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّ الْخِلَافَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ لَا فِي أَصْلِ التَّكْبِيرِ وَقَدْ حَكَى الْخِلَافَ كَذَلِكَ فِي الْبَدَائِعِ وَالسِّرَاجِ وَالْمَجْمَعِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ وَالْمُلْتَقَى وَالدُّرَرِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْمَوَاهِبِ وَالْإِمْدَادِ وَالْإِيضَاحِ والتتارخانية وَالتَّجْنِيسِ وَالتَّبْيِينِ وَمُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ وَالْكِفَايَةِ وَالْمِعْرَاجِ. وَعَزَاهُ فِي النِّهَايَةِ إلَى الْمَبْسُوطِ وَتُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ وَزَادَ الْفُقَهَاءُ فَهَذِهِ مَشَاهِيرُ كُتُبِ الْمَذْهَبِ مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ بَلْ حَكَى الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْإِمَامِ رِوَايَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ يُسِرُّ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَجْهَرُ كَقَوْلِهِمَا قَالَ: وَهِيَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا قَالَ الرَّازِيّ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ. وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَاخْتُلِفَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ؛ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ وَاخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَجْهَرُ، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُسِرُّ، وَأَغْرَبَ صَاحِبُ النِّصَابِ حَيْثُ قَالَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ سِرًّا كَمَا أَغْرَبَ مَنْ عَزَا إلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ أَصْلًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْأَصَحُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْخُلَاصَةِ. اهـ. فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَا فِي الْخُلَاصَةِ غَرِيبٌ مُخَالِفٌ لِلْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ فَافْهَمْ، وَفِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ الصَّغِيرِ وَيَوْمُ الْفِطْرِ لَا يَجْهَرُ بِهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَجْهَرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ، وَالْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَمُنْتَفِيَةٌ عَنْ الطَّرَفَيْنِ اهـ وَكَذَا فِي الْكَبِيرِ وَأَمَّا قَوْلُ الْفَتْحِ إذْ لَا يُمْنَعُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ فَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا عَنْ الْإِمَامِ فِي بَحْثِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ.
هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي تَصْحِيحِهِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ قَوْلُ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ فِي النَّهْرِ) أَقُولُ: لَمْ يَتَعَقَّبْهُ صَرِيحًا؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ كَلَامَ الْبَحْرِ وَأَقَرَّهُ نَعَمْ ذَكَرَ قَبْلَهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْجَهْرِ وَعَدَمِهِ وَعَزَاهُ إلَى مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالتَّجْنِيسِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَالزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ زَادَ فِي الْبُرْهَانِ إلَخْ) أَيْ زَادَ عَلَى مَا فِي النَّهْرِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا أَيْ لَا مُسْتَحَبٌّ، وَإِلَّا فَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ فِي النَّهْرِ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ لَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ: وَوَجْهُهَا) أَيْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ (قَوْلُهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ) وَهُوَ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ التَّكْبِيرُ جَهْرًا فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لَا يُسَنُّ إلَّا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ أَوْ اللُّصُوصِ وَقَاسَ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ الْحَرِيقَ وَالْمَخَاوِفَ كُلَّهَا اهـ زَادَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَوْ عَلَا شَرَفًا
(قَوْلُهُ: وَكَذَا لَا يَتَنَفَّلُ إلَخْ) لِمَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ فَصَلَّى بِهِمْ الْعِيدَ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا» وَهَذَا النَّفْيُ بَعْدَهَا مَحْمُولٌ عَلَيْهِ فِي الْمُصَلَّى لِمَا رَوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute