للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ نَجَاسَةَ خَبَثٍ وَقِيلَ حَدَثٍ، وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي جَوَازُهَا كَقِرَاءَةِ الْمُحْدِثِ

(وَيُوضَعُ) كَمَا مَاتَ (كَمَا تَيَسَّرَ) فِي الْأَصَحِّ (عَلَى سَرِيرٍ مُجَمَّرٍ وِتْرًا) إلَى سَبْعٍ فَقَطْ فَتْحٌ (كَكَفَنِهِ) وَعِنْدَ مَوْتِهِ فَهِيَ ثَلَاثٌ لَا خَلْفَهُ وَلَا فِي الْقَبْرِ

(وَكُرِهَ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ إلَى تَمَامِ غُسْلِهِ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ حَتَّى يُغَسَّلَ وَعِبَارَةُ النَّهْرِ قَبْلَ غُسْلِهِ (وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ الْغَلِيظَةُ فَقَطْ عَلَى الظَّاهِرِ) مِنْ الرِّوَايَةِ (وَقِيلَ مُطْلَقًا) الْغَلِيظَةُ وَالْخَفِيفَةُ (وَصُحِّحَ) صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَيَغْسِلُهَا تَحْتَ خِرْقَةٍ) السُّتْرَةِ (بَعْدَ لَفِّ) خِرْقَةٍ (مِثْلِهَا عَلَى يَدَيْهِ) لِحُرْمَةِ اللَّمْسِ كَالنَّظَرِ

ــ

[رد المحتار]

إلَى أَنْ يُرْفَعَ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْمُنْتَقَى لَكِنْ قَالَ عَقِبَهُ أَصْحَابُنَا كَرِهُوا الْقِرَاءَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يُغَسَّلَ فَأَفَادَ حَمْلُ مَا فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا قَبْلَ الْمَوْتِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّفْعِ رَفْعُ الرُّوحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ قِيلَ نَجَاسَةَ خَبَثٍ) لِأَنَّ الْآدَمِيَّ حَيَوَانٌ دَمَوِيٌّ فَيَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ كَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ بَدَائِعُ وَصَحَّحَهُ فِي الْكَافِي.

قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ مُحَمَّدٍ نَجَاسَةَ غُسَالَتِهِ وَكَذَا قَوْلُهُمْ لَوْ وَقَعَ فِي بِئْرٍ قَبْلَ غُسْلِهِ نَجَّسَهَا وَكَذَا لَوْ حَمَلَ مَيِّتًا قَبْلَ غُسْلِهِ وَصَلَّى بِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَعَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ كَرَامَةً لِلْمُسْلِمِ، وَلِذَا لَوْ كَانَ كَافِرًا نَجَّسَ الْبِئْرَ وَلَوْ بَعْدَ غُسْلِهِ كَمَا قَدَّمْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ فِي الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ حَدَثٍ) يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ أَنَّ الْأَصَحَّ كَوْنُ غُسَالَتِهِ مُسْتَعْمَلَةً، وَأَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ نَجَاسَتَهَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ النَّجَاسَةِ غَالِبًا.

قُلْت: لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا مَرَّ مِنْ الْفُرُوعِ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِبِنَائِهَا عَلَى قَوْلِ الْعَامَّةِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا» فَإِنْ صَحَّتْ وَجَبَ تَرْجِيحُ أَنَّهُ لِلْحَدَثِ. اهـ.

وَقَالَ فِي الْحِلْيَةِ: وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا» وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَيَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ حَدَثٌ اهـ.

قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي إمْكَانُ الْوُجُوبِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ النَّجَاسَةِ عَنْ الْمُسْلِمِ فِي الْحَدِيثِ النَّجَاسَةُ الدَّائِمَةُ فَيَكُونُ احْتِرَازًا عَنْ الْكَافِرِ فَإِنَّ نَجَاسَتَهُ دَائِمَةٌ لَا تَزُولُ بِغُسْلِهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْيَ النَّجَاسَةِ مُطْلَقًا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ خَارِجِيَّةٌ لَا يَنْجُسُ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الْوَاقِعِ فَتَعَيَّنَ مَا قُلْنَا وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِنَجَاسَتِهِ نَجَاسَةُ حَدَثٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ بِإِنْصَافٍ (قَوْلُهُ كَقِرَاءَةِ الْمُحْدِثِ) فَإِنَّهُ إذَا جَازَ لِلْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ الْقِرَاءَةُ فَجَوَازُهَا عِنْدَ الْمَيِّتِ الْمُحْدِثِ بِالْأَوْلَى لَكِنْ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ كَالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْجُنُبِ لِأَنَّ حَدَثَ الْمَوْتِ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ فَهُوَ أَشْبَهُ بِالْجَنَابَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَنَابَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ حَدَثَهُ بِسَبَبِ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَزَوَالِ الْعَقْلِ قَبْلَ الْمَوْتِ فَكَانَ يَنْبَغِي اقْتِصَارُهُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لَكِنَّ الْقِيَاسَ فِي حَدَثِ الْحَيِّ غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْأَعْضَاءِ لِلْحَرَجِ لِتَكَرُّرِهِ كُلَّ يَوْمٍ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ، وَالْمَوْتُ شَبِيهٌ بِالْجَنَابَةِ فِي أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فَأَخَذُوا بِالْقِيَاسِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَا حَرَجَ فِي غَسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ.

[تَنْبِيهٌ]

الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَوْتَ إنْ كَانَ حَدَثًا فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ نَجَسًا كُرِهَتْ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ مَا فِي النُّتَفِ وَعَلَى الثَّانِي مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ. وَذَكَرَ ط أَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، أَمَّا إذَا بَعُدَ عَنْهُ بِالْقِرَاءَةِ فَلَا كَرَاهَةَ. اهـ.

قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا أَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَيِّتُ مُسَجًّى بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ لِأَنَّهُ لَوْ صَلَّى فَوْقَ نَجَاسَةٍ عَلَى حَائِلٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ حَصِيرٍ لَا يُكْرَهُ فِيمَا يَظْهَرُ فَكَذَا إذَا قَرَأَ عِنْدَ نَجَاسَةٍ مَسْتُورَةٍ وَكَذَا يَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْكَرَاهَةِ بِمَا إذَا قَرَأَ جَهْرًا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ كَالْمُغْتَسَلِ وَالْمَخْرَجِ وَالْمَسْلَخِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي الْحَمَّامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ وَكَانَ الْحَمَّامُ طَاهِرًا لَا بَأْسَ بِأَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِالْقِرَاءَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنْ قَرَأَ فِي نَفْسِهِ وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا بَأْسَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَإِنْ رَفَعَ صَوْتَهُ اهـ وَفِي الْقُنْيَةِ لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مُعَدًّا لِلنَّجَاسَةِ فَإِنْ كَانَ يُكْرَهُ اهـ وَفِيهَا لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ حِذَاءَ الْبَالُوعَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ بِقُرْبِهِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>