للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصِّحَّةُ إذَا نَوَى بِالدَّفْعِ لِظَلَمَةِ زَمَانِنَا الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ فُقَرَاءُ، حَتَّى أُفْتِيَ أَمِيرُ بَلْخٍ بِالصِّيَامِ لِكَفَّارَةٍ عَنْ يَمِينِهِ؛ وَلَوْ أَخَذَهَا السَّاعِي جَبْرًا لَمْ تَقَعْ زَكَاةً لِكَوْنِهَا بِلَا اخْتِيَارٍ وَلَكِنْ يُجْبَرُ بِالْحَبْسِ لِيُؤَدِّيَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُنَافِي الِاخْتِيَارَ. وَفِي التَّجْنِيسِ: الْمُفْتَى بِهِ سُقُوطُهَا فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ لَا الْبَاطِنَةِ. (وَلَوْ خَلَطَ السُّلْطَانُ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ مَلَكَهُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ وَيُورَثُ عَنْهُ) ؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَوْلُهُ أَرْفَقُ إذْ قَلَّمَا يَخْلُو مَالٌ عَنْ غَصْبٍ،

ــ

[رد المحتار]

بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ صَارُوا فُقَرَاءَ وَالْأَحْوَطُ الْإِعَادَةُ اهـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَبْسُوطِ، وَتَبِعَهُ فِي الْفَتْحِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ وَالْإِفْتَاءُ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ إذَا نَوَى التَّصَدُّقَ بِهَا عَلَى الْجَائِرِ وَعَلِمْت مَا هُوَ الْأَحْوَطُ.

قُلْت: وَشَمَلَ ذَلِكَ مَا يَأْخُذُهُ الْمُكَّاسُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْعَاشِرَ الَّذِي يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ، لَكِنَّ الْيَوْمَ لَا يُنَصَّبُ لِأَخْذِ الصَّدَقَاتِ بَلْ لِسَلْبِ أَمْوَالِ النَّاسِ ظُلْمًا بِدُونِ حِمَايَةٍ فَلَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ بِأَخْذِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَإِذَا نَوَى التَّصْدِيقَ عَلَيْهِ كَانَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَقَوْلُهُ بِمَا عَلَيْهِمْ تَعَلُّقٌ بِقَوْلِهِ فُقَرَاءَ (قَوْلُهُ: حَتَّى أُفْتِيَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَالْمُفْتِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، وَأَمِيرُ بَلْخٍ هُوَ مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنُ مَاهَانَ وَالِي خُرَاسَانَ سَأَلَهُ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ فَأَفْتَاهُ بِذَلِكَ، فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ لِحَشَمِهِ إنَّهُمْ يَقُولُونَ لِي مَا عَلَيْك مِنْ التَّبِعَاتِ فَوْقَ مَا لَك مِنْ الْمَالِ فَكَفَّارَتُك كَفَّارَةُ يَمِينِ مَنْ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا.

قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَعَلَى هَذَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَدُفِعَ إلَى السُّلْطَانِ الْجَائِرِ سَقَطَ، ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَعَلَى هَذَا فَإِنْكَارُهُمْ عَلَى يَحْيَى بْنِ يَحْيَى تِلْمِيذِ مَالِكٍ حَيْثُ أَفْتَى بَعْضُ مُلُوكِ الْمَغَارِبَةِ فِي كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ بِالصَّوْمِ غَيْرُ لَازِمٍ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِلِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ لَا لِكَوْنِ الصَّوْمِ أَشَقَّ عَلَيْهِ مِنْ الْإِعْتَاقِ، وَكَوْنُ مَا أَخَذَهُ خَلَطَهُ بِمَالِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ فَيَمْلِكُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ غَيْرُ مُضِرٍّ لِاشْتِغَالِ ذِمَّتِهِ بِمِثْلِهِ، وَالْمَدْيُونُ بِقَدْرِ مَا فِي يَدِهِ فَقِيرٌ اهـ مُلَخَّصًا.

قُلْت: وَإِفْتَاءُ ابْنِ سَلَمَةَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي التَّقْرِيرِ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ، أَمَّا عَلَى مَا صَحَّحَهُ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّارِحُ فِيمَا مَرَّ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَالنَّهْرِ فَلَا (قَوْلُهُ: لَمْ تَقَعْ زَكَاةً) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ تَصِحَّ زَكَاةً، وَعَزَا هَذَا فِي الْبَحْرِ إلَى الْمُحِيطِ.

ثُمَّ قَالَ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ إذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ كُرْهًا فَوَضَعَهَا مَوْضِعَهَا أَجْزَأَ؛ لِأَنَّ لَهُ وَلَايَةَ أَخْذِ الصَّدَقَاتِ فَقَامَ أَخْذُهُ مَقَامَ دَفْعِ الْمَالِكِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: فِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِيهِ شَرْطٌ وَلَمْ تُوجَدْ مِنْهُ. اهـ.

قُلْت: قَوْلُ الْكَرْخِيِّ فَقَامَ أَخْذُهُ إلَخْ يَصْلُحُ لِلْجَوَابِ تَأَمَّلْ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْمُفْتَى بِهِ التَّفْصِيلُ إنْ كَانَ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ يَسْقُطُ الْفَرْضُ؛ لِأَنَّ لِلسُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ وَلَايَةَ أَخْذِهَا، وَإِنْ لَمْ يَضَعْهَا مَوْضِعَهَا لَا يَبْطُلُ أَخْذُهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنَةِ فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي التَّجْنِيسِ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَكِنْ بَدَلَ الْوَاوِ وَهُوَ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَدْ أَسْمَعْنَاك آنِفًا مَا فِي التَّجْنِيسِ.

وَقَدْ يَدَّعِي عَدَمَ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ مَا فِي التَّنْجِيسِ عَلَى مَا إذَا دَفَعَ إلَى السُّلْطَانِ مَالَ الْمَكْسِ أَوْ الْمُصَادَرَةِ وَنَوَى بِهِ كَوْنَهُ زَكَاةً لِيَصْرِفَهُ السُّلْطَانُ فِي مَصَارِفِهِ وَلَمْ يَنْوِ بِذَلِكَ التَّصَدُّقَ بِهِ عَلَى السُّلْطَانِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَلَايَةُ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُ الْمَبْسُوطِ الْأَصَحُّ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ ظَلَمَةُ زَمَانِنَا مِنْ الْجِبَايَاتِ وَالْمُصَادَرَاتِ يَسْقُطُ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ إذَا نَوَوْا عِنْدَ الدَّفْعِ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ التَّبِعَاتِ فُقَرَاءَ فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: بِمَالِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِخَلَطَ، وَأَمَّا لَوْ خَلَطَهُ بِمَغْصُوبٍ آخَرَ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ كَمَا يَذْكُرُهُ فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ خَبِيثًا (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ) أَيْ بِمَنْزِلَتِهِ مَنْ حَيْثُ إنَّ حَقَّ الْغَيْرِ يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ لَا بِالْأَعْيَانِ ط.

(قَوْلُهُ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) أَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا ضَمَانٌ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ الضَّمَانِ، وَلَا يُورَثُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>