للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شُمُولِ قَوْلِهِ: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ، لِقَوْلِهِ: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، عَلَى سَبِيلِ الْيَقِينِ. وَالْجَزْمُ لَا يَخْلُو عِنْدِي مِنْ نَظَرٍ، لِمَا قَدَّمْنَا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ نَازِلٌ فِي حَلِفِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَعُودُ لِمَا حَرَّمَ عَلَى نَفْسِهِ لَا فِي أَصْلِ التَّحْرِيمِ، وَقَدْ أَشَرْنَا لِلرِّوَايَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْمَبْحَثِ.

الْقَوْلُ الرَّابِعَ عَشَرَ: أَنَّهُ يَمِينٌ مُغَلَّظَةٌ يَتَعَيَّنُ فِيهَا عِتْقُ رَقَبَةٍ. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَصَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ.

وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَمِينًا مُغَلَّظَةً غُلِّظَتْ كَفَّارَتُهَا بِتَحَتُّمِ الْعِتْقِ، وَوَجْهُ تَغْلِيظِهَا تَضَمُّنُهَا تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ، وَلَيْسَ إِلَى الْعَبْدِ. وَقَوْلُ الْمُنْكَرِ وَالزُّورِ وَإِنْ أَرَادَ الْخَبَرَ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي إِخْبَارِهِ مُعْتَدٍ فِي إِقْسَامِهِ، فَغُلِّظَتْ كَفَّارَتُهُ بِتَحَتُّمِ الْعِتْقِ ; كَمَا غُلِّظَتْ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ بِهِ أَوْ بِصِيَامِ شَهْرَيْنِ، أَوْ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا.

الْقَوْلُ الْخَامِسَ عَشَرَ: أَنَّهُ طَلَاقٌ، ثُمَّ إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فَهُوَ مَا نَوَاهُ مِنَ الْوَاحِدَةِ وَمَا فَوْقَهَا. وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، فَثَلَاثٌ. وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْهَا، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ.

وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا اقْتَضَى التَّحْرِيمَ وَجَبَ أَنْ يُرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، وَغَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا تُحَرَّمُ بِوَاحِدَةٍ، وَالْمَدْخُولُ بِهَا لَا تُحَرَّمُ إِلَّا بِالثَّلَاثِ.

وَبَعْدُ: فَفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ هَذَا أَحَدُهَا، وَهُوَ مَشْهُورُهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا ثَلَاثٌ بِكُلِّ حَالٍ نَوَى الثَّلَاثَ أَوْ لَمْ يَنْوِهَا، اخْتَارَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي مَبْسُوطِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ مُطْلَقًا، حَكَاهُ ابْنُ خُوَيْزِ مِنْدَادُ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ.

وَالْخَامِسُ: أَنَّهُ مَا نَوَاهُ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَدْ عَرَفْتَ تَوْجِيهَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، انْتَهَى مِنْ «إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ» .

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ: الْمَعْرُوفُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: اثْنَانِ، وَهُمَا الْقَوْلُ بِالثَّلَاثِ وَبِالْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ، وَقَدْ جَرَى الْعَمَلُ فِي مَدِينَةِ فَاسَ بِلُزُومِ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ فِي التَّحْرِيمِ. قَالَ نَاظِمُ عَمَلِ فَاسَ:

وَطَلْقَةٌ بَائِنَةٌ فِي التَّحْرِيمِ ... وَحَلِفٌ بِهِ لِعُرْفِ الْإِقْلِيمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>