للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيَعْلَمُ مَا هُوَ أَخْفَى مِنَ السِّرِّ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ «أَخْفَى» فِعْلٌ مَاضٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَعْلَمُ سِرَّ الْخَلْقِ، وَأَخْفَى عَنْهُمْ مَا يَعْلَمُهُ هُوَ. كَقَوْلِهِ: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [٢٠ ١١٠] ظَاهِرُ السُّقُوطِ كَمَا لَا يَخْفَى.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ أَيْ فَلَا حَاجَةَ لَكَ إِلَى الْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً [٧ ٥٥] ، وَقَالَ تَعَالَى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ [٧ ٢٠٥] . وَيُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ. لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سَمِعَ أَصْحَابَهُ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَرْبِعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ، وَلَا غَائِبًا، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا. إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ» .

قَوْلُهُ تَعَالَى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى.

ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ، وَأَنَّ لَهُ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى. وَبَيَّنَ أَنَّهُ الْمَعْبُودُ وَحْدَهُ فِي آيَاتٍ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهَا لِكَثْرَتِهَا، كَقَوْلِهِ: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [٢ ٢٥٥] ، وَقَوْلِهِ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْآيَةَ [٤٧ ١٩] .

وَبَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّ لَهُ الْأَسْمَاءَ الْحُسْنَى، وَزَادَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ الْأَمْرَ بِدُعَائِهِ بِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [٧ ١٨٠] ، وَقَوْلِهِ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [١٧ ١١٠] وَزَادَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ تَهْدِيدَ مَنْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ. وَهُوَ قَوْلُهُ: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [٧ ١٨٠] .

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: وَمِنْ إِلْحَادِهِمْ فِي أَسْمَائِهِ أَنَّهُمُ اشْتَقُّوا الْعُزَّى مِنِ اسْمِ الْعَزِيزِ، وَاللَّاتِ مِنِ اسْمِ اللَّهِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» وَقَدْ دَلَّ بَعْضُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهِ جَلَّ وَعَلَا مَا اسْتَأْثَرَ بِهِ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ خَلْقَهُ، كَحَدِيثِ: «أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ» الْحَدِيثَ.

وَقَوْلُهُ: الْحُسْنَى تَأْنِيثُ الْأَحْسَنِ، وَإِنَّمَا وَصَفَ أَسْمَاءَهُ جَلَّ وَعَلَا بِلَفْظِ الْمُؤَنَّثِ الْمُفْرَدِ، لِأَنَّ جَمْعَ التَّكْسِيرِ مُطْلَقًا وَجَمْعَ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ يَجْرِيَانِ مَجْرَى الْمُؤَنَّثَةِ الْوَاحِدَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>