[٨ \ ٤٣ - ٤٤] ، وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَنْبَغِي الِاسْتِفَادَةُ مِنْهُ الْيَوْمَ عَلَى الْعَدُوِّ فِي قَضِيَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
الْمُشَاقَّةُ: الْعِصْيَانُ، وَمِنْهُ شَقُّ الْعَصَا، وَالْمُخَالَفَةُ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْقَعَ مَا أَوْقَعَهُ بِبَنِي النَّضِيرِ مِنْ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ وَتَخْرِيبِ بُيُوتِهِمْ؛ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَأَنَّ الْمُشَاقَّةَ الْمَذْكُورَةَ هِيَ عِلَّةُ الْعُقُوبَةِ الْحَاصِلَةِ بِهِمْ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُشَاقَّةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ.
وَفِي الْآيَةِ مَبْحَثٌ أُصُولِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُشَاقَّةَ قَدْ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ الْيَهُودِ، فَلَمْ تَقَعْ بِهِمْ تِلْكَ الْعُقُوبَةُ كَمَا وَقَعَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [٨ \ ١٢] ، وَهَذَا فِي بَدْرٍ قَطْعًا، ثُمَّ قَالَ: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [٨ \ ١٣] ، وَلَمَّا قَدَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ لَمْ يُوقِعْ بِهِمْ مَا أَوْقَعَ بِالْيَهُودِ مِنْ قَتْلٍ بَلْ قَالَ: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ» فَوُجِدَ الْوَصْفُ الَّذِي هُوَ الْمُشَاقَّةُ الَّذِي هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ، وَلَمْ يُوجَدِ الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الْإِخْرَاجُ مِنَ الدِّيَارِ وَتَخْرِيبُ الْبُيُوتِ.
قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتِ الْمُشَاقَّةُ عِلَّةً لِهَذَا التَّخْرِيبِ لَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ: أَيْنَمَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْمُشَاقَّةُ حَصَلَ التَّخْرِيبُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ قُلْنَا: هَذَا أَحَدُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهَا. اهـ.
وَقَدْ بَحَثَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي آَدَابِ الْبَحْثِ وَالْمُنَاظَرَةِ، وَفِي مُذَكِّرَةِ الْأُصُولِ فِي مَبْحَثِ النَّقْضِ، وَعَنْوَنَ لَهُ فِي آدَابِ الْبَحْثِ بِقَوْلِهِ: تَخَلُّفُ الْحُكْمِ لَيْسَ بِنَقْضٍ سَوَاءً لِوُجُودِ مَانِعٍ أَوْ تَخَلُّفِ شَرْطٍ.
وَمَثَّلَ لِتَخَلُّفِ الْحُكْمِ بِوُجُودِ مَانِعٍ بِقَتْلِ الْوَالِدِ وَلَدَهُ عَمْدًا، مَعَ عَدَمِ قَتْلِهِ قِصَاصًا بِهِ؛ لِأَنَّ عِلَّةَ الْقِصَاصِ مَوْجُودَةٌ، وَهِيَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ، وَالْحُكْمُ وَهُوَ الْقِصَاصُ مُتَخَلِّفٌ.
وَمَثَّلَ لِتَخَلُّفِ الشَّرْطِ بِسَرِقَةِ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ الْحِرْزِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute