للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا هِيَ رُؤْيَاهُ فِي الْمَنَامِ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ، وَإِنَّ الْمُرَادَ بِالشَّجَرَةِ الْمَلْعُونَةِ فِي الْقُرْآنِ بَنُو أُمَيَّةَ - لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ; إِذْ لَا أَسَاسَ لَهُ مِنَ الصِّحَّةِ، وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ بِذَلِكَ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، وَإِنَّمَا وَصَفَ الشَّجَرَةَ بِاللَّعْنِ لِأَنَّهَا فِي أَصْلِ النَّارِ، وَأَصْلُ النَّارِ بَعِيدٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَاللَّعْنُ: الْإِبْعَادُ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، أَوْ لِخُبْثِ صِفَاتِهَا الَّتِي وُصِفَتْ بِهَا فِي الْقُرْآنِ، أَوْ لِلَعْنِ الَّذِينَ يَطْعَمُونَهَا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لَآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا.

قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ إِبْلِيسَ: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا [١٧ \ ٦١] ، يَدُلُّ فِيهِ إِنْكَارُ إِبْلِيسَ لِلسُّجُودِ بِهَمْزَةِ الْإِنْكَارِ عَلَى إِبَائِهِ وَاسْتِكْبَارِهِ عَنِ السُّجُودِ لِمَخْلُوقٍ مِنْ طِينٍ، وَصَرَّحَ بِهَذَا الْإِبَاءِ وَالِاسْتِكْبَارِ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ، فَصَرَّحَ بِهِمَا مَعًا «فِي الْبَقَرَةِ» فِي قَوْلِهِ: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [٢ \ ٣٤] ، وَصَرَّحَ بِإِبَائِهِ «فِي الْحِجْرِ» بِقَوْلِهِ: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [١١٥ \ ٣١] ، وَبِاسْتِكْبَارِهِ فِي «ص» بِقَوْلِهِ: إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [٣٨ \ ٧٤] ، وَبَيَّنَ سَبَبَ اسْتِكْبَارِهِ بِقَوْلِهِ: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [١٢، ١٨ \ ٧٦] ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ «فِي الْبَقَرَةِ» ، وَقَوْلُهُ: طِينًا حَالٌ ; أَيْ لِمَنْ خَلَقْتَهُ فِي حَالِ كَوْنِهِ طِينًا. وَتَجْوِيزُ الزَّمَخْشَرِيِّ كَوْنَهُ حَالًا مِنْ نَفْسِ الْمَوْصُولِ، غَيْرُ ظَاهِرٍ عِنْدِي. وَقِيلَ: مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ ; أَيْ مِنْ طِينٍ. وَقِيلَ: تَمْيِيزٌ، وَهُوَ أَضْعَفُهَا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا.

ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ إِبْلِيسَ اللَّعِينَ قَالَ لَهُ: أَرَأَيْتَكَ [١٧ \ ٦٢] ، أَيْ أَخْبِرْنِي: هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَهُ عَلَيَّ فَأَمَرْتَنِي بِالسُّجُودِ لَهُ وَهُوَ آدَمُ ; أَيْ لِمَ كَرَّمْتَهُ عَلَيَّ وَأَنَا خَيْرٌ مِنْهَ. وَالْكَافُ فِي أَرَأَيْتَكَ حَرْفُ خِطَابٍ، وَ «هَذَا» مَفْعُولٌ بِهِ لِـ «أَرَأَيْتَ» .

وَالْمَعْنَى: أَخْبِرْنِي. وَقِيلَ: إِنَّ الْكَافَ مَفْعُولٌ بِهِ، وَ «هَذَا» مُبْتَدَأٌ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُ: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ [١٧ \ ٦٢] ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَأَسْتَوْلِيَنَّ عَلَيْهِمْ، وَقَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَأَحْتَوِيَنَّهُمْ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَأُضِلَّنَّهُمْ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. أَيْ لَأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ بِالْإِغْوَاءِ وَالْإِضْلَالِ، وَلَأَجْتَاحَنَّهُمْ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ، أَيْ لَأَقُودَنَّهُمْ إِلَى مَا أَشَاءُ ; مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: احْتَنَكْتُ الْفَرَسَ: إِذَا جَعَلْتَ الرَّسَنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>