وَرُبَّ أَسِيلَةِ الْخَدَّيْنِ بِكْرٍ ... مُهَفْهَفَةٍ لَهَا فَرْعٌ وَجِيدُ
أَيْ فَرْعٌ فَاحِمٌ وَجِيدٌ طَوِيلٌ.
وَقَوْلُ عَبِيدِ بْنِ الْأَبْرَصِ:
مَنْ قَوْلُهُ قَوْلٌ وَمَنْ فِعْلُهُ ... فِعْلٌ وَمَنْ نَائِلُهُ نَائِلُ
أَيْ قَوْلُهُ قَوْلٌ فَصْلٌ، وَفِعْلُهُ فِعْلٌ جَمِيلٌ، وَنَائِلُهُ نَائِلٌ جَزِيلٌ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:
وَمَا مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ ... يَجُوزُ حَذْفُهُ وَفِي النَّعْتِ يَقِلْ
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْآيَةُ عَامَّةٌ، فَالْقَرْيَةُ الصَّالِحَةُ إِهْلَاكُهَا بِالْمَوْتِ، وَالْقَرْيَةُ الطَّالِحَةُ إِهْلَاكُهَا بِالْعَذَابِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، وَالْمَسْطُورُ: الْمَكْتُوبُ. وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
مَنْ شَاءَ بَايَعْتُهُ مَالِي وَخُلْعَتَهُ مَا ... تُكْمِلُ الْتَيْمُ فِي دِيوَانِهَا سَطَرَا
وَمَا يَرْوِيهِ مُقَاتِلٌ عَنْ كِتَابِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: مِنْ أَنَّ مَكَّةَ تُخَرِّبُهَا الْحَبَشَةُ، وَتَهْلِكُ الْمَدِينَةُ بِالْجُوعِ، وَالْبَصْرَةُ بِالْغَرَقِ، وَالْكُوفَةُ بِالتُّرْكِ، وَالْجِبَالُ بِالصَّوَاعِقِ وَالرَّوَاجِفِ، وَأَمَّا خُرَاسَانُ فَهَلَاكُهَا ضُرُوبٌ، ثُمَّ ذَكَرَ بَلَدًا بَلَدًا - لَا يَكَادُ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ لَا أَسَاسَ لَهُ مِنَ الصِّحَّةِ، وَكَذَلِكَ مَا يُرْوَى عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّ الْجَزِيرَةَ آمِنَةٌ مِنَ الْخَرَابِ حَتَّى تُخَرَّبَ أَرْمِينِيَةُ، وَأَرْمِينِيَةُ آمِنَةٌ حَتَّى تُخَرَّبَ مِصْرُ، وَمِصْرُ آمِنَةٌ حَتَّى تُخَرَّبَ الْكُوفَةُ، وَلَا تَكُونُ الْمَلْحَمَةُ الْكُبْرَى حَتَّى تُخَرَّبَ الْكُوفَةُ، فَإِذَا كَانَتِ الْمَلْحَمَةُ الْكُبْرَى فُتِحَتْ قُسْطَنْطِينَةُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَخَرَابُ الْأَنْدَلُسِ مِنْ قِبَلِ الزِّنْجِ، وَخَرَابُ إِفْرِيقِيَّةَ مِنْ قِبَلِ الْأَنْدَلُسِ، وَخَرَابُ مِصْرَ مِنَ انْقِطَاعِ النِّيْلِ وَاخْتِلَافِ الْجُيُوشِ فِيهَا، وَخَرَابُ الْعِرَاقِ مِنَ الْجُوعِ، وَخَرَابُ الْكُوفَةِ مِنْ قِبَلِ عَدُوٍّ يَحْصُرُهُمْ وَيَمْنَعُهُمُ الشَّرَابَ مِنَ الْفُرَاتِ، وَخَرَابُ الْبَصْرَةِ مِنْ قَبِيلِ الْغَرَقِ، وَخَرَابُ الْأُبُلَّةِ مِنْ عَدُوٍّ يَحْصُرُهُمْ بَرًّا وَبَحْرًا، وَخَرَابُ الرَّيِّ مِنَ الدَّيْلَمِ، وَخَرَابُ خُرَاسَانَ مِنْ قِبَلِ التِّبِتِ، وَخَرَابُ التِّبِتِ مِنْ قِبَلِ الصِّينِ، وَخَرَابُ الْهِنْدِ وَالْيَمَنِ مِنْ قِبَلِ الْجَرَادِ وَالسُّلْطَانِ، وَخَرَابُ مَكَّةَ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَخَرَابُ الْمَدِينَةِ مِنَ الْجُوعِ. اهـ.
كُلُّ ذَلِكَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا
الْآيَةَ، بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّهُ آتَى ثَمُودَ النَّاقَةَ فِي حَالِ كَوْنِهَا آيَةً مُبْصِرَةً، أَيْ بَيِّنَةً تَجْعَلُهُمْ يُبْصِرُونَ الْحَقَّ وَاضِحًا لَا لَبْسَ فِيهِ فَظَلَمُوا بِهَا، وَلَمْ يُبَيِّنْ ظُلْمَهُمْ بِهَا هَاهُنَا، وَلَكِنَّهُ أَوْضَحَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ،