للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْ ذَلِكَ وَعْدُهُ لِجَمِيعِ الْمُطِيعِينَ مِنْ أُمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِيتَائِهِمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ الْآيَةَ [٥٧ \ ٢٨] .

وَاعْلَمْ: أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ سُورَةِ «الْحَدِيدِ» ، الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ، أَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ الْآيَةَ [٥٧ \ ٢٨] ، عَامٌّ لِجَمِيعِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا تَرَى. وَلَيْسَ فِي خُصُوصِ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا فِي آيَةِ «الْقَصَصِ» الْمَذْكُورَةِ آنِفًا، وَكَوْنُهُ عَامًّا هُوَ التَّحْقِيقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ; لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ الْمُتَبَادَرِ الَّذِي لَمْ يَصْرِفُ عَنْهُ صَارِفٌ، فَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ حَمْلِهِ آيَةَ «الْحَدِيدِ» هَذِهِ عَلَى خُصُوصِ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا فِي آيَةِ «الْقَصَصِ» خِلَافُ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ، فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، وَإِنْ وَافَقَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ الضَّحَّاكُ، وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ وَغَيْرُهُمَا، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ.

وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ هُوَ مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ، لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ، إِلَّا لِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.

وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَمَّا افْتَخَرَ أَهْلُ الْكِتَابِ بِأَنَّهُمْ يُؤْتُونَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ، أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ هَذِهِ الْآيَةَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ، أَيْ: ضِعْفَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَزَادَهُمْ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ [٥٧ \ ٢٨] ، فَفَضَّلَهُمْ بِالنُّورِ وَالْمَغْفِرَةِ، اهـ. نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا.

قَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا أَنْ يَقُولَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْآيَةِ قَوْلًا، وَيَكُونُ فِي نَفْسِ الْآيَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ ذَلِكَ الْقَوْلِ، وَذَكَرْنَا لِذَلِكَ أَمْثِلَةً مُتَعَدِّدَةً فِي التَّرْجَمَةِ، وَفِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ.

وَمِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ فِي التَّرْجَمَةِ قَوْلُنَا فِيهَا: وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>