جَرَّ فَاعِلِهَا بِالْبَاءِ لَازِمٌ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَجُوزُ عَدَمُ جَرِّهِ بِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
عَمِيرَةُ وَدَّعَ إِنْ تَجَهَّزْتَ غَادِيًا ... كَفَى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
وَيُخْبِرُنِي عَنْ غَائِبِ الْمَرْءِ هَدْيُهُ ... كَفَى الْهَدْيُ عَمَّا غَيَّبَ الْمَرْءُ مُخْبِرًا
وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ: يَلْقَاهُ ; بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ مَبْنِيًا لِلْمَفْعُولِ، فَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ يُلْقِيهِ ذَلِكَ الْكِتَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَحَذَفَ الْفَاعِلَ فَبَنِي الْفِعْلَ لِلْمَفْعُولِ.
وَقِرَاءَةُ مِنْ قَرَأَ: يَخْرُجُ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ مُضَارِعٌ خَرَجَ مَبْنِيًا لِلْفَاعِلِ، فَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى الطَّائِرِ بِمَعْنَى الْعَمَلِ، وَقَوْلُهُ كِتَابًا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ، أَيْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَخْرُجُ هُوَ، أَيِ الْعَمَلُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالطَّائِرِ فِي حَالِ كَوْنِهِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا. وَكَذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ يُخْرَجُ - بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ - فَالْضَمِيرُ النَّائِبُ عَنِ الْفَاعِلِ رَاجِعٌ أَيْضًا إِلَى الطَّائِرِ الَّذِي هُوَ الْعَمَلُ، أَيْ يَخْرُجُ لَهُ هُوَ، أَيْ طَائِرُهُ بِمَعْنَى عَمَلِهِ، فِي حَالِ كَوْنِهِ كِتَابًا.
وَعَلَى قِرَاءَةِ «يَخْرِجُ» بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، فَالْفَاعِلُ ضَمِيرٌ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَوْلُهُ كِتَابًا مَفْعُولٌ بِهِ، أَيْ: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْرِجُ هُوَ، أَيِ اللَّهُ لَهُ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا.
وَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ مِنْهُمُ السَّبْعَةُ: فَالنُّونُ فِي نُخْرِجُ نُونُ الْعَظَمَةِ لِمُطَابَقَةِ قَوْلِهِ: أَلْزَمْنَاهُ وَكِتَابًا مَفْعُولٌ بِهِ لِنَخْرُجَ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا، ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ مَنِ اهْتَدَى فَعَمِلَ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا، أَنَّ اهْتِدَاءَهُ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَرْجِعُ إِلَيْهِ فَائِدَةُ ذَلِكَ الِاهْتِدَاءِ، وَثَمَرَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنَّ مَنْ ضَلَّ عَنْ طَرِيقِ الصَّوَابِ فَعَمِلَ بِمَا يُسْخِطُ رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا، أَنَّ ضَلَالَهُ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجْنِي ثَمَرَةَ عَوَاقِبَهُ السَّيِّئَةَ الْوَخِيمَةَ، فَيَخْلُدُ بِهِ فِي النَّارِ.
وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا الْآيَةَ [٤١ \ ٤٦] ، وَقَوْلِهِ: مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ [٣٠ \ ٤٤] ، وَقَوْلِهِ: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [٦ \ ١٠٤] ، وَقَوْلِهِ: فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ [١٠ \ ١٠٨] ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute