تَقْتَضِي الطَّرَفَيْنِ. وَمَجِيئُهَا بِمَعْنَى الْمُجَرَّدِ مَسْمُوعٌ نَحْوَ: سَافَرَ وَعَافَى. وَقَوْلُهُ: «يُؤَاخِذُ» [١٦ \ ٦١] ، إِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْمُضَارِعَ فِيهِ بِمَعْنَى الْمَاضِي فَلَا إِشْكَالَ. وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ فَهُوَ عَلَى إِيلَاءِ لَوِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ قَلِيلٌ ; كَقَوْلِهِ: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ [٤ \ ٩] ، وَقَوْلُ قَيْسِ بْنِ الْمُلَوَّحِ:
وَلَوْ تَلْتَقِي أَصْدَاؤُنَا بَعْدَ مَوْتِنَا ... وَمَنْ دُونِ رَمْسَيْنَا مِنَ الْأَرْضِ سَبْسَبُ
لَظَلَّ صَدَى صَوْتِي وَإِنْ كُنْتُ رُمَّةً ... لِصَوْتِ صَدَى لَيْلَى يَهُشُّ وَيَطْرَبُ
وَالْجَوَابُ بِحَمْلِهِ عَلَى الْمُضِيِّ فِي الْآيَةِ تَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ، وَلَا يُمْكِنُ بَتَاتًا فِي الْبَيْتَيْنِ، وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَقَدْ أَشَارَ لِذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:
لَوْ حَرْفُ شَرْطٍ فِي مُضِيٍّ وَيَقِلُّ إِيلَاؤُهَا مُسْتَقْبَلًا، لَكِنْ قُبِلْ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ، أَبْهَمَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ هَذَا الَّذِي يَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ وَيَكْرَهُونَهُ ; لِأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِ «مَا» الْمَوْصُولَةِ، وَهِيَ اسْمٌ مُبْهَمٌ، وَصِلَةُ الْمَوْصُولِ لَنْ تُبَيَّنَ مِنْ وَصْفِ هَذَا الْمُبْهَمِ إِلَّا أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَهُ. وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ: أَنَّهُ الْبَنَاتُ وَالشُّرَكَاءُ وَجَعْلُ الْمَالِ الَّذِي خَلَقَ لِغَيْرِهِ، قَالَ فِي الْبَنَاتِ: وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ [١٦ \ ٥٧] ، ثُمَّ بَيَّنَ كَرَاهِيَتَهَا لَهَا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى الْآيَةَ [١٦ \ ٦١] .
وَقَالَ فِي الشُّرَكَاءِ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْآيَةَ [٦ \ ١٠٠] ، وَنَحْوَهَا مِنَ الْآيَاتِ. وَبَيَّنَ كَرَاهِيَتَهُمْ لِلشُّرَكَاءِ فِي رِزْقِهِمْ بُقُولَهُ: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [٣٠ \ ٢٨] ، أَيْ: إِذَا كَانَ الْوَاحِدُ مِنْكُمْ لَا يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ الْمَمْلُوكُ شَرِيكًا لَهُ مِثْلَ نَفْسِهِ فِي جَمِيعِ مَا عِنْدَهُ ; فَكَيْفَ تَجْعَلُونَ الْأَوْثَانَ شُرَكَاءَ لِلَّهِ فِي عِبَادَتِهِ الَّتِي هِيَ حَقُّهُ عَلَى عِبَادِهِ! وَبَيَّنَ جَعْلَهُمْ بَعْضَ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنَ الرِّزْقِ لِلْأَوْثَانِ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا، إِلَى قَوْلِهِ: سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [١٦ \ ١٣٦] ، وَقَوْلِهِ: وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ [١٦ \ ٥٦] ، كَمَا تَقَدَّمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى، ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْكُفَّارَ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمُ الْكَذِبَ ; فَيَزْعُمُونَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى، وَالْحُسْنَى تَأْنِيثُ الْأَحْسَنِ، قِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الذُّكُورُ ; كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute