عَجُوزٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَا فَعَلَتْ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ مَا فَعَلَتْ فِي «الذَّارِيَاتِ» بِقَوْلِهِ: فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ [٥١ \ ٢٩] ، وَقَوْلُهُ: فِي صَرَّةٍ، أَيْ: ضَجَّةٍ وَصَيْحَةٍ، وَقَوْلُهُ: فَصَكَّتْ وَجْهَهَا، أَيْ: لَطَمَتْهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ، لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَا جَادَلَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ الْمَلَائِكَةَ فِي قَوْمِ لُوطٍ، وَلَكِنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي «الْعَنْكَبُوتِ» بِقَوْلِهِ: قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ الْآيَةَ [٢٩ \ ٣١، ٣٢] .
فَحَاصِلُ جِدَالِهِ لَهُمْ أَنَّهُ يَقُولُ: إِنْ أَهْلَكْتُمُ الْقَرْيَةَ وَفِيهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلَكْتُمْ ذَلِكَ الْمُؤْمِنَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ، فَأَجَابُوهُ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِمْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا الْآيَةَ [٢٩ \ ٣٢] .
وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [٥١ \ ٣٥، ٣٦] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ.
هَذَا الْعَذَابُ الَّذِي صَرَّحَ هُنَا بِأَنَّهُ آتٍ قَوْمَ لُوطٍ لَا مَحَالَةَ وَأَنَّهُ لَا مَرَدَّ لَهُ بَيَّنَهُ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، كَقَوْلِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ: فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [١١ \ ٨٢، ٨٣] .
وَقَوْلِهِ فِي «الْحِجْرِ» : فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [١٥ \ ٧٤، ٧٥] .
وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ الْآيَةَ [٢٥ \ ٤٠] .
وَقَوْلِهِ: ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ [٢٦ \ ١٧٢، ١٧٣] .
وَقَوْلِهِ: لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ [٥١ \ ٣٣، ٣٤] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ.
ذَكَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ لُوطًا عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَمَّا جَاءَتْهُ رُسُلُ رَبِّهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ حَصَلَتْ لَهُ بِسَبَبِ مَجِيئِهِمْ مَسَاءَةٌ عَظِيمَةٌ ضَاقَ صَدْرُهُ بِهَا، وَأَشَارَ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ إِلَى أَنَّ سَبَبَ مَسَاءَتِهِ وَكَوْنِهِ ضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا، وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ: أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُمْ ضُيُوفٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، كَمَا ظَنَّهُ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَظَنَّ أَنَّ قَوْمَهُ يَنْتَهِكُونَ حُرْمَةَ ضُيُوفِهِ فَيَفْعَلُونَ بِهِمْ فَاحِشَةَ اللِّوَاطِ ; لِأَنَّهُمْ إِنْ عَلِمُوا بِقُدُومِ