للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَشَاءُ: إِنْ شَاءَ خَلَقَهُ مِنْ أُنْثَى بِدُونِ ذَكَرٍ كَمَا فَعَلَ بِعِيسَى، وَإِنْ شَاءَ خَلَقَهُ مِنْ ذَكَرٍ بِدُونِ أُنْثَى كَمَا فَعَلَ بِحَوَّاءَ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [٤ \ ١] ، أَيْ: خَلَقَ مِنْ تِلْكَ النَّفْسِ الَّتِي هِيَ آدَمُ زَوْجَهَا حَوَّاءَ، وَإِنْ شَاءَ خَلَقَهُ بِدُونِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مَعًا كَمَا فَعَلَ بِآدَمَ، وَإِنْ شَاءَ خَلَقَهُ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى كَمَا فَعَلَ بِسَائِرِ بَنِي آدَمَ، فَسُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَمَا ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ كَوْنِهِ جَعَلَ عِيسَى آيَةً حَيْثُ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ، أَشَارَ لَهُ أَيْضًا فِي «الْأَنْبِيَاءِ» بِقَوْلِهِ: وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ [٢١ \ ٩١] ، وَفِي «الْفَلَاحِ» بِقَوْلِهِ: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا الْآيَةَ [٢٣

] .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ [١٩ \ ٢١] ، فِيهِ حَذْفٌ دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهِ، قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ: وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ تَعْلِيلٌ مُعَلَّلُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ فَعَلْنَا ذَلِكَ، أَوْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى تَعْلِيلٍ مُضْمَرٍ، أَيْ: لِنُبَيِّنَ بِهِ قُدْرَتَنَا وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً، وَنَحْوُهُ: وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [٤٥ \ ٢٢] ، وَقَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ [١٢ \ ٢١] اهـ.

وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَرَحْمَةً مِنَّا، أَيْ: لِمَنْ آمَنَ بِهِ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ فَلَمْ يَبْتَغِ الرَّحْمَةَ لِنَفْسِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [٢١ \ ١٠٧] .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا [١٩ \ ٢١] ، أَيْ: وَكَانَ وُجُودُ ذَلِكَ الْغُلَامِ مِنْكِ أَمْرًا مَقْضِيًّا، أَيْ: مُقَدَّرًا فِي الْأَزَلِ، مَسْطُورًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ، فَهُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا، ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ مَرْيَمَ حَمَلَتْ عِيسَى، فَقَوْلُهُ: فَحَمَلَتْهُ، أَيْ: عِيسَى فَانْتَبَذَتْ بِهِ، أَيْ: تَنَحَّتْ بِهِ وَبَعُدَتْ مُعْتَزِلَةً عَنْ قَوْمِهَا مَكَانًا قَصِيًّا، أَيْ: فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمَكَانَ الْمَذْكُورَ بَيْتُ لَحْمٍ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ، أَيْ: أَلْجَأَهَا الطَّلْقُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ، أَيْ: جِذْعِ نَخْلَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: جَاءَ فُلَانٌ، وَ: أَجَاءَهُ غَيْرُهُ: إِذَا حَمَلَهُ عَلَى الْمَجِيءِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>