للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ فَأَذَلَّهُ وَأَهَانَهُ. وَذَلِكَ الذُّلُّ وَالْإِهَانَةُ نَقِيضُ مَا كَانَ يُؤَمِّلُهُ مِنَ الْكِبْرِ وَالْعَظَمَةِ.

وَهَذَا الْمَفْهُومُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ [٤٠ \ ٥٦] ، وَقَوْلِهِ فِي إِبْلِيسَ لَمَّا اسْتَكْبَرَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ [٧ \ ١٣] وَالصَّغَارُ: الذُّلُّ وَالْهَوَانُ، عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ. وَقَوْلِهِ: وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ [٢٢ \ ٩] ؛ أَيْ: نَحْرِقُهُ بِالنَّارِ، وَنُذِيقُهُ أَلَمَ حَرِّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَسُمِّيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ فِيهِ لَهُ جَلَّ وَعَلَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [٨٣ \ ٤ - ٦] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ الْمَعْنَى: أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أُذِيقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ، يُقَالُ لَهُ ذَلِكَ؛ أَيْ: هَذَا الْعَذَابُ الَّذِي نُذِيقُكَهُ بِسَبَبِ مَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ؛ أَيْ: قَدَّمَتْهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [٢٢ \ ١٠] فَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ. وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [٤ \ ٣٠] وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَصْدَرَ الْمُنْسَبِكَ مِنْ «أَنَّ» وَصِلَتِهَا فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [٢٢ \ ١٠] فِي مَحَلِّ خَفْضٍ عَطْفًا عَلَى (مَا) الْمَجْرُورَةِ بِالْبَاءِ.

وَالْمَعْنَى: هَذَا الْعَذَابُ الَّذِي يُذِيقُكَهُ اللَّهُ حَصَلَ لَكَ بِسَبَبَيْنِ، وَهُمَا: مَا قَدَّمَتْهُ يَدَاكَ مِنْ عَمَلِ السُّوءِ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، وَعَدَالَةُ مَنْ جَازَاكَ ذَلِكَ الْجَزَاءَ الْوِفَاقَ، وَعَدَمُ ظُلْمِهِ. وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِيمَا مَضَى إِزَالَةَ الْإِشْكَالِ الْمَعْرُوفِ فِي نَفْيِ صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ بِظَلَّامٍ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.

وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ ثَلَاثَةُ أَسْئِلَةٍ:

الْأَوَّلُ: هُوَ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّا أَوْضَحْنَا الْجَوَابَ عَنْهُ سَابِقًا، وَهُوَ: أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ النَّفْيَ إِذَا دَخَلَ عَلَى صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ، لَمْ يَقْتَضِ نَفْيَ أَصْلِ الْفِعْلِ.

فَلَوْ قُلْتَ: لَيْسَ زَيْدٌ بِظَلَّامٍ لِلنَّاسِ، فَمَعْنَاهُ الْمَعْرُوفُ: أَنَّهُ غَيْرُ مُبَالِغٍ فِي الظُّلْمِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ حُصُولَ مُطْلَقِ الظُّلْمِ مِنْهُ. وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>