للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٤٨ \ ١، ٢] قَالُوا: فَمَا فَضْلُهُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [٤ \ ١٤] ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [٣٤ \ ٢٨] ، فَأَرْسَلَهُ إِلَى الْجِنِّ وَالْإِنْسِ» ، ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ فِي «مُسْنَدِهِ» كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ تَفْسِيرٌ مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِلْآيَةِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ الْآيَةَ.

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهَا أَنَّ أُولَئِكَ الْكُفَّارَ جَعَلُوا أَيْدِيَ أَنْفُسِهِمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ; لِيَعَضُّوا عَلَيْهَا غَيْظًا وَحَنَقًا لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ ; إِذْ كَانَ فِيهِ تَسْفِيهُ أَحْلَامِهِمْ، وَشَتْمُ أَصْنَامِهِمْ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ الْآيَةَ [٣ \ ١١٩] ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

تَرُدُّونَ فِي فِيهِ غِشَّ الْحَسُودِ ... حَتَّى يَعَضَّ عَلَى الْأَكُفِّ

يَعْنِي: أَنَّهُمْ يَغِيظُونَ الْحَسُودَ حَتَّى يَعَضَّ عَلَى أَصَابِعِهِ وَكَفَّيْهِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ أَيْضًا:

قَدْ أَفْنَى أَنَامِلَهُ أَزْمُهُ ... فَأَضْحَى يَعَضُّ عَلَيَّ الْوَظِيفَا

أَيْ أَفْنَى أَنَامِلَهُ عَضًّا، وَقَالَ الرَّاجِزُ:

لَوْ أَنَّ سَلْمَى أَبْصَرَتْ تَخَدُّدِي ... وَدِقَّةً بِعَظْمِ سَاقِي وَيَدِي

وَبُعْدَ أَهْلِي وَجَفَاءَ عُودِي ... عَضَّتْ مِنَ الْوَجْدِ بِأَطْرَافِ الْيَدِ

وَفِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذَا، مِنْهَا: أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا كِتَابَ اللَّهِ عَجِبُوا وَرَجَعُوا بِأَيْدِيهِمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ مِنَ الْعَجَبِ. وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ: أَنَا رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، أَشَارُوا بِأَصَابِعِهِمْ إِلَى أَفْوَاهِهِمْ أَنِ اسْكُتْ تَكْذِيبًا لَهُ وَرَدًّا لِقَوْلِهِ. وَيُرْوَى هَذَا عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَمِنْهَا: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُمْ رَدُّوا عَلَى الرُّسُلِ قَوْلَهُمْ وَكَذَّبُوهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ، فَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلرُّسُلِ وَالثَّانِي لِلْكُفَّارِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَـ «فِي» بِمَعْنَى الْبَاءِ. وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ «فِي» هُنَا بِمَعْنَى الْبَاءِ، قَالَ: وَقَدْ سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ: أَدْخَلَكَ اللَّهُ بِالْجَنَّةِ، يَعْنُونَ: فِي الْجَنَّةِ، وَقَالَ الشَّاعِرُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>