قَرَأَهُ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَشُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ: (قُلْ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ.
وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ بَيْنَهُمَا أَلْفٌ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي.
فَعَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ فَالْمَعْنَى: قُلْ لَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ: أَتَقْتَدُونَ بِآبَائِكُمْ فِي الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ، وَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى، أَيْ بِدِينٍ أَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ، وَصِيغَةُ التَّفْضِيلِ هُنَا لِمُطْلَقِ الْوَصْفِ ; لِأَنَّ آبَاءَهُمْ لَا شَيْءَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْهِدَايَةِ أَصْلًا.
وَعَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ وَحَفْصٍ فَالْمَعْنَى: قَالَ هُوَ: أَيْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا الْمَعْنَى بِشَوَاهِدِهِ الْعَرَبِيَّةِ مِرَارًا فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ تَسْفِيهِ رَأْيِ الْكُفَّارِ وَبَيَانِ شِدَّةِ ضَلَالِهِمْ فِي تَقْلِيدِهِمْ آبَاءَهُمْ هَذَا التَّقْلِيدَ الْأَعْمَى - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي «الْبَقَرَةِ» : وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ [٢ \ ١٧٠] . وَكَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي «الْمَائِدَةِ» : وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ [٥ \ ١٠٤] .
وَأَوْضَحَ - تَعَالَى - فِي آيَةِ «لُقْمَانَ» أَنَّ مَا وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ الشَّيْطَانِ يَدْعُوهُمْ بِسُلُوكِهَا إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [٣١ \ ٢١] . كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ [٣٧ \ ٦٩ - ٧٠] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [٢١ \ ٥١ - ٥٤] . وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute