وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ الْآيَةَ [١٤ \ ١٦ - ١٧] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ [٣٧ \ ٦٧] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ [٥٦ \ ٥٤، ٥٥] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا الْآيَةَ [٧٨ \ ٢٤ - ٢٥] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ [٣٨ \ ٥٧ - ٥٨] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا طُرُقًا مِنْ هَذَا فِي سُورَةِ «يُونُسَ» .
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا.
ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا وَأَحْسَنَ فِي عَمَلِهِ أَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا لَا يُضِيعُ أَجْرَهُ، أَيْ: جَزَاءَ عَمَلِهِ: بَلْ يُجَازَى بِعَمَلِهِ الْحَسَنِ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى.
وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى [٣ \ ١٩٥] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [٣ \ ١٧١] ، وَقَوْلِهِ: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [٥٥ \ ٦٠] ، وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَفِي هَذَا الْمَعْنَى سُؤَالَانِ مَعْرُوفَانِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يُقَالَ أَيْنَ خَبَرُ «إِنَّ» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا [٨ \ ٣٠] ؟ فَإِذَا قِيلَ: خَبَرُهَا جُمْلَةُ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [١٨ \ ٣٠] تُوَجِّهُ السُّؤَالُ.
الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: أَيْنَ رَابِطُ الْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ بِالْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ اسْمُ «إِنَّ» ؟ .
اعْلَمْ أَنَّ خَبَرَ «إِنَّ» فِي قَوْلِهِ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا، قِيلَ: هُوَ جُمْلَةُ أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ، وَعَلَيْهِ فَقَوْلُهُ: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ. وَعَلَى هَذَا فَالرَّابِطُ مَوْجُودٌ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ. وَقِيلَ: «إِنَّ» الثَّانِيَةَ وَاسْمَهَا وَخَبَرَهَا، كُلُّ ذَلِكَ خَبَرُ «إِنَّ» الْأُولَى. وَنَظِيرُ الْآيَةِ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ «إِنَّ» بِـ «إِنَّ» وَخَبَرِهَا وَاسْمِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الْحَجِّ» : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْآيَةَ [٢٢ \ ١٧] ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِنَّ الْخَلِيفَةَ إِنَّ اللَّهَ أَلْبَسَهُ ... سِرْبَالَ مُلْكٍ بِهِ تُرْجَى الْخَوَاتِيمُ
عَلَى أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ فِي خَبَرِ «إِنَّ» الْأُولَى فِي الْبَيْتِ، وَعَلَى هَذَا فَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ