حَيَّانَ: جَارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ الِاسْمَ لِلدَّوَامِ وَالثُّبُوتِ، وَالْفِعْلَ لِلتَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ، فَالْحَرَكَةُ الدَّائِمَةُ فِي الطَّيَرَانِ هِيَ صَفُّ الْجَنَاحِ، وَالْجَدِيدُ عَلَيْهِ هُوَ الْقَبْضُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ دَلِيلٌ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَآيَةٌ لِخَلْقِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [١٦ \ ٧٩] .
فَهِيَ آيَةٌ عَلَى الْقُدْرَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقُدْرَتِهِ جَلَّ وَعَلَا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [٣٥ \ ٤١] .
فَهُوَ سُبْحَانُهُ مُمْسِكُهُمَا بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى عَنْ أَنْ تَزُولَا، وَلَوْ قُدِّرَ فَرْضًا زَوَالُهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِمْسَاكِهِمَا إِلَّا هُوَ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ [٢٢ \ ٦٥] .
تَنْبِيهٌ
وَلَعَلَّ مِمَّا يَسْتَدْعِي الِانْتِبَاهَ تَوْجِيهُ النَّظَرِ إِلَى الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ (صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ) ، بَعْدَ التَّخْوِيفِ بِخَسْفِ الْأَرْضِ بِأَنَّ الْأَرْضَ مُعَلَّقَةٌ فِي الْهَوَاءِ كَتَعَلُّقِ الطَّيْرِ الْمُشَاهَدِ إِلَيْكُمْ مَا يُمْسِكُهَا إِلَّا اللَّهُ، وَإِيقَاعُ الْخَسْفِ بِهَا، كَإِسْقَاطِ الطَّيْرِ مِنَ الْهَوَاءِ ; لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَا يُمْسِكُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ الْقَادِرُ عَلَى الْخَسْفِ بِهَا، وَعَلَى إِسْقَاطِ الطَّيْرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ.
يَقُولُ تَعَالَى لِلْمُشْرِكِينَ: مَنْ هَذَا الَّذِي غَيْرُهُ سُبْحَانَهُ يَرْزُقُكُمْ، إِنْ أَمْسَكَ اللَّهُ عَنْكُمْ رِزْقَهُ.
وَالْجَوَابُ: لَا أَحَدَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُهُ إِلَّا اللَّهُ.
وَقَدْ صَرَّحَ تَعَالَى بِهَذَا السُّؤَالِ وَجَوَابِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ [٣٤ \ ٢٤] .
أَيْ: لَا أَحَدَ سِوَاهُ سُبْحَانَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، قَالَ تَعَالَى: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ