كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا [٨٩ \ ٢١] ، إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
كَمًّا أَنَّهُ يَظْهَرُ ارْتِبَاطٌ كَبِيرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، إِذْ جَاءَ فِيهَا: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ [٨٨ \ ٢١ - ٢٤] ، وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ إِلَى قَوْلِهِ: هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [٨٩ \ ١ - ٥] ; لِأَنَّ مَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ بِالْعَذَابِ الْأَكْبَرِ وَالْقَصْرِ فِي إِيَابِهِمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ وَحِسَابِهِمْ عَلَيْهِ فَحَسْبُ يَتَنَاسَبُ مَعَهُ هَذَا الْقَسَمُ الْعَظِيمُ.
أَمَّا ارْتِبَاطُهُ بِمَا فِي آخِرِ السُّورَةِ، فَهُوَ أَنَّ الْمُقْسَمَ بِهِ هُنَا خَمْسُ مُسَمَّيَاتٌ: وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ [٨٩ \ ١ - ٤] ، وَالَّذِي فِي آخِرِ السُّورَةِ أَيْضًا خَمْسُ مُسَمَّيَاتٍ: دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [٨٩ \ ٢١ - ٢٣] .
صُوَرٌ اشْتَمَلَتْ عَلَى الْيَوْمِ الْآخِرِ كُلِّهِ مِنْ أَوَّلِ النَّفْخِ فِي الصُّوَرِ، وَدَكِّ الْأَرْضِ إِلَى نِهَايَةِ الْحِسَابِ، وَتَذَكُّرِ كُلِّ إِنْسَانٍ مَا لَهُ وَمَا عَلَيْهِ، تُقَابِلُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْقَسَمُ الْمُتَقَدِّمُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ
لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَاذَا وَلَا كَيْفَ فَعَلَ، بِمَنْ ذَكَرُوا، وَهُمْ: عَادٌ، وَثَمُودُ، وَفِرْعَوْنُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ثَلَاثَتِهِمْ فِي سُورَةِ " الْحَاقَّةِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ إِلَى قَوْلِهِ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً [٦٩ \ ١٠٥ - ١٠] .
وَالْجَدِيدُ هُنَا: هُوَ وَصْفُ كُلٍّ مِنْ عَادٍ مِنْ أَنَّهَا ذَاتُ الْعِمَادِ، وَلَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ، وَثَمُودَ أَنَّهُمْ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ، وَفِرْعَوْنَ أَنَّهُ ذُو أَوْتَادٍ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمَعْنَى بِهَذِهِ الصِّفَاتِ كُلِّهَا:
أَمَّا عَادٌ، فَقِيلَ: الْعِمَادُ عِمَادُ بُيُوتِ الشَّعَرِ، وَالْمُرَادُ بِهَا الْقَبِيلَةُ. وَطُولُ عِمَادِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute