للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَفْرَهُ هُدًى ; لِأَنَّهُ مَا مَنَعَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مَعَ ظُهُورِهِ إِلَّا شِدَّةُ التَّعَصُّبِ لِلْكُفْرِ، كَمَا قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ فِي " الْأَعْرَافِ " ; كَقَوْلِهِ: (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) [٧ \ ٣٠] ، وَقَوْلُهُ: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [١٨ \ ١٠٣ - ١٠٤] ، وَقَوْلُهُ: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) [٣٩ \ ٤٧] ، وَحَمْلُهُمْ أَوْزَارَهُمْ هُوَ اكْتِسَابُهُمُ الْإِثْمَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ تَرَدِّيهِمْ فِي النَّارِ، أَعَاذَنَا اللَّهُ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهَا.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَى حَمْلِهِمْ أَوْزَارَهُمْ: أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ قَبْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَسْتَقْبِلُهُ شَيْءٌ كَأَقْبَحِ صُورَةٍ، وَأَنْتَنِهَا رِيحًا ; فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَوْ مَا تَعْرِفُنِي! فَيَقُولُ: لَا وَلِلَّهِ، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ قَبَّحَ وَجْهَكَ! أَنْتَنَ رِيحَكَ! فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ، كُنْتَ فِي الدُّنْيَا خَبِيثَ الْعَمَلِ مُنْتِنَهُ فَطَالَمَا رَكِبْتَنِي فِي الدُّنْيَا! هَلُمَّ أَرْكَبُكَ الْيَوْمَ ; فَيَرْكَبُ عَلَى ظَهْرِهِ اه.

وَقَوْلُهُ (أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) [١٦ \ ٢٥] ، (سَاءَ) فِعْلٌ جَامِدٌ ; لِإِنْشَاءِ الذَّمِّ بِمَعْنَى بِئْسَ، وَ (مَا) ، فِيهَا الْوَجْهَانِ الْمُشَارُ إِلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ فِي الْخُلَاصَةِ:

وَمَا مُمَيَّزٌ وَقِيلَ فَاعِلٌ ... فِي نَحْوِ نَعَمْ يَقُولُ الْفَاضِلُ

وَقَوْلُهُ (يَزِرُونَ) ، أَيْ: يَحْمِلُونَ، وَقَالَ قَتَادَةُ: يَعْمَلُونَ. اه.

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.

ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ كُفَّارِ مَكَّةَ قَدْ مَكَرُوا. وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ: وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا [١٣ \ ٤٢] ، وَقَوْلِهِ: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [١٤ \ ٤٦] .

وَبَيَّنَ بَعْضَ مَكْرِ كَفَّارِ مَكَّةَ، بِقَوْلِهِ: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ الْآيَةَ [٨ \ ٣٠] .

وَذَكَرَ بَعْضَ مَكْرِ الْيَهُودِ بِقَوْلِهِ: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [٣ \ ٥٤] .

وَبَيَّنَ بَعْضَ مَكْرِ قَوْمِ صَالِحٍ، بِقَوْلِهِ: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ الْآيَةَ [٢٧ \ ٥٠، ٥١] .

وَذَكَرَ بَعْضَ مَكْرِ قَوْمِ نُوحٍ بِقَوْلِهِ: وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>